روضة العبيدي، رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في تونس
روضة العبيدي، رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في تونس

تفاعلت تونس إيجابيا مع توصيات الهيئات الدولية والوطنية بخصوص مكافحة الاتجار بالبشر، وبعد إصدار قانون يمنع هذه الجرائم في أغسطس 2016 تم، في بداية السنة الجارية، تنصيب أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر، في انتظار توفير الإمكانيات المادية اللازمة للتصدي لهذه الجرائم. 

تترأس الهيئة روضة العبيدي، قاضية متخصصة في حقوق الإنسان. في هذه المقابلة تعري العبيدي صورة الاتجار في البشر بتونس.

 

نص المقابلة:

تم تنصيب الهيئة في يناير الماضي، ما هي أولويات عملها؟

منذ تركيز الهيئة انطلقنا في إعداد إستراتيجية العمل وتنظيم عدة دورات تدريبية حول قانون مكافحة الاتجار بالبشر لفائدة مختلف المتدخلين من قضاء ومجتمع مدني.

كما أن هذه الجرائم تتطلب إطلاق عدد من الحملات التحسيسية نظرا لأن بعض الجرائم أصبحت متداولة في المجتمع مثل عمل الإناث دون 18 سنة في المنازل واستغلال الأطفال في التسول.

وستعمل الهيئة على تنقيح مختلف التشريعات لتكون متلائمة مع قانون مكافحة الاتجار بالبشر نظرا لوجود عدد من النقاط السلبية، من ذلك أن السن القانونية للطفولة يمتد إلى 18 سنة، لكن في مجلة الشغل نجدها تسمح للأطفال بالعمل في المنازل في سن 16 عاما.

وللهيئة صلاحيات واسعة ويمكنها التدخل في أي ظرف ومع أية جهة، وبمجرد تأمين مقر لها ستنطلق في تلقي الإشعارات عبر الأرقام المجانية وستشرع في استقبال الضحايا.

ورغم غياب المقر انطلقت الهيئة منذ شهر يناير في تلقي الإشعارات وأمنت التكفل بكل الضحايا، سواء تونسيين أو أجانب، ووفرت لهم السكن والتعهد الصحي.

وما يسهل عمل الهيئة هو وجود قانون متميز وتركيبة تضم ممثلين عن مختلف الوزارات والمجتمع المدني والإعلام إلى جانب وجود إرادة جماعية لمكافحة هذه الظاهرة.

​​​هل لتونس تجارب في مكافحة هذه الجرائم؟

قبل إصدار القانون عدد 61 في 3 أغسطس 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، لم نكن في فراغ تشريعي وإنما كانت هناك قوانين تجرم بعض الأفعال التي تصنف كجرائم اتجار بالأشخاص، لكنها كانت تصنفها ضمن جرائم أخرى.

كما أن هذه القوانين كانت تمس من حقوق الضحايا؛ مثال ذلك اعتبار الشخص الذي تم استغلاله جنسيا مساهما في الجريمة. 

إلا أن قانون منع الاتجار أعطى للمعتدى عليهم صفة الضحية والدولة تتكفل بهم. 

وأعتقد أن هذا قانون متميز لأنه جاء بعد استشارة واسعة مع الإعلام والمنظمات الوطنية والدولية ووضع آلية تسهر على تطبيقه تتمثل في الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص.

ما هي أنواع جرائم الاتجار بالبشر وما مدى انتشارها في تونس؟

الاتجار بالأشخاص من أسوأ أشكال الاعتداء على الذات البشرية وحقوق الإنسان، وهي أكثر جريمة تمس كرامة الإنسان. 

وعدة جرائم تصنف ضمن الاتجار بالأشخاص منها الاستغلال الجنسي وعمالة الأطفال وبيع الأعضاء والاستغلال الاقتصادي.

والاتجار بالأشخاص جريمة يمكن أن تكون وطنية أو عابرة للأوطان يقوم بها شخص أو شبكات واسعة.

وتونس تعتبر بلد منشأ للجريمة، حيث يوجد تونسيون يستغلون الأطفال والنساء، وكذلك هي وجهة لهذه الجرائم حيث يقيم بها أجانب يمارسون هذه الجرائم وينشؤون شبكات لاستقطاب الناس من الخارج واستغلالهم في تونس.

وتونس تعتبر كذلك بلد عبور للجريمة نظرا لموقعها الإستراتيجي، وهناك شبكات تهرب الأشخاص عبر تونس لاستغلالهم في أوروبا أو في مناطق أخرى.

إلا أن جرائم الاتجار بالأشخاص في تونس لا ترتقي لمرتبة الظاهرة نظرا لحجمها الضعيف مقارنة بدول أخرى.

​​ما هي نوعية الجرائم التي كشفتها الهيئة إلى حد الآن؟ 

من آخر شهر يناير إلى الآن وردت على الهيئة ما بين 20 و25 حالة أغلبها تخص أجانب، تكفلت بهم جميعا ولم ترفض أي طلب ووفرت التعهد بالسكن والتعهد الاجتماعي والطبي ووفرت لهم ظروفا لائقة للإقامة.

وهناك بعض الحالات يكون فيها الأجانب مطالبين من السلطات بدفع ذعائر مالية بسبب دخولهم تونس بصفة غير قانونية، وقد تدخلت الهيئة وألغت هذه الذعائر وأمنت رجوعهم إلى بلدانهم بالتنسيق مع منظمة الهجرية الدولية. 

أغلب الأجانب الذين تم استغلالهم أفارقة تعرضوا للاستغلال الاقتصادي من خلال عمالة المنازل.

وتبين وجود شبكات يترأسها أشخاص من جنسية الضحايا نفسها يستقطبون الضحايا الذين غالبا ما يكونون من أصحاب شهادات جامعية على أساس العمل في تونس، وبمجرد وصولهم إلى تونس يشغلونهم في أراض فلاحية داخلية أو في المنازل.

وهناك من وجدناهم في وضع عبودية بمفهومها التقليدي، يتم منعهم من التنقل ويسلبونهم جوازات سفرهم ويعاملونهم كالعبيد.

وفي تونس بصفة عامة تسجل أعلى نسبة جرائم الاستغلال الاقتصادي وأضعف نسبة على مستوى الاستغلال الجنسي، حيث يوجد في بعض الأرياف التونسية "سماسرة" يتصرفون في بنات المنطقة ويشغلونهم في المنازل ويتقاضون أموالا مقابل ذلك.

 

هل هناك تداخل بين ملف تهجير الشباب إلى سوريا وليبيا وجرائم الاتجار بالأشخاص؟

تونس بلد قانون، وقانون الاتجار بالأشخاص لن يشتغل بمعزل عن قانون مكافحة الإرهاب. ومن تتوفر فيه مقومات ضحية الاتجار تتكفل به الهيئة ومن تبين أنه سافر عن قناعة يحال على قانون مكافحة الإرهاب.

قانون مكافحة الاتجار لن يفتح المجال للإرهابيين للتحول إلى ضحايا اتجار بالبشر. تونس لديها كفاءات وآليات قادرة على التفريق بين الصنفين.

 

ما هي الصعوبات التي تواجهها الهيئة في مكافحة جريمة الاتجار في البشر؟

تتوفر إرادة جماعية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، لكن الهيئة اليوم تنقصها الإمكانيات المادية وعلى رأسها مقر عمل يخول لها الاجتماع واستقبال الضحايا والانطلاق فعليا في مهامها المنصوص عليها في القانون.

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة