سفيرة السلام، ميلودة شفيق
سفيرة السلام، ميلودة شفيق

ميلودة شقيق المعروفة ب"طاطا ميلودة". بدأت حياتها في المهجر كخادمة في البيوت إلى أن صارت اليوم ممثلة مقتدرة، وحاملة لواء موسيقى "سلام" بفرنسا. "أصوات مغاربية" زارت "طاطا ميلودة" ذات ال67 سنة واستمعت لقصة كفاحها. قصة أكسبتها احترام وحب ملايين الجماهير عبر العالم.

نص المقابلة:

 احتفلت هذا الأسبوع بعيد ميلادك ال67. سأطلب منك العودة بعض الشيء إلى الخلف والتأمل في مسار حياتك. ؟

لم يكن الأمر سهلاً أبداً. خلال حياتي بكيت كثيراً وعانيت كثيراً وكلما سقطت وانكسرت، كنت أنهض بابتسامة على وجهي، وأواصل كفاحي. كثيراً ما أناجي جسدي وأتحدث إلى نفسي وأقول لها "إن كل تلك الدموع التي سقطت من الخد على الأرض، سوف تسقي يوما ما حولها وستنبت خيراً كثيراً" وذلك ما حدث.

لماذا هذا التكرار لكلمة "بكاء"؟ احك لنا مشاهد من طفولتك وكيف جئت إلى فرنسا؟

معاناتي بدأت منذ الصغر. تزوجت في سن الرابعة عشر وحملت بعدها بأشهر، قبل أن أنجب أولى بناتي والتي صارت اليوم جارتي وأقرب صديقاتي. ظلمت بداية من قبلِ والدي ثم من زوجي الذي مارس عليَّ "حقه" في التعنيف، قبل أن تسمح لي الفرصة المجيء إلى فرنسا، عن طريق سيدة مقربة وزوجها، بعدما ساعدتني في الحصول على تأشيرة للاشتغال كخادمة بيوت، وآتي لأساعد زوجي في إتمام بناء منزلنا، أو ما كنت أعتقد أنه سيكون كذلك.

"طاطا" ميلودة الشابة إلى جانب والدتها وحماتها وجدتها
"طاطا" ميلودة الشابة إلى جانب والدتها وحماتها وجدتها

​​كنت في سن ال27 حينما جئت إلى فرنسا أول مرة. أمضيت ثلاث سنوات من العمل الشاق والغربة والمعاناة اليومية. وفي يوم اتصلت بالبيت فإذا بي أتفاجأ بأحد أبنائي يخبرني في اتصال أن "الراجل" تزوج بامرأة أخرى شابة "صغر من بنتو"، لأعود إلى المغرب. في العودة اكتشفت أن شقاء السنوات الثلاث ومجوهراتي التي بعتها لبناء منزل الأسرة ضاع، وأن البيت أيضاً لم يكن في ملكيتي أنا وزوجي، كما حاول إقناعي في البداية. أحسست بالخديعة، فقررت العودة إلى فرنسا من جديد.

ما الذي دفعك للعودة إلى فرنسا، هل هو الهروب من الظلم الذي طالك من قبل زوجك والأسرة، أم ثقتك بأن لك أحلاماً تنتظرك؟

حقيقة دائماً ما كنت ولا زلت أرى أن الحياة حلوة وأنها بهجة وفرصة للاكتشاف. لم أفكر أبداً في أن أحاكم زوجي، ولكن فكرت في مستقبل أبنائي. في الصغر كانت اللغة الفرنسية تعجبني كثيراً، حينما أسمع أحداً يتحدث بها، وكنت أحلم أن أتعلم التحدث بها، كما حلمت كثيراً بالسفر حول العالم.

ماهي المرحلة الفاصلة التي غيرت حياتك بعد عودتك لفرنسا؟

ما غير حياتي هو "قلمي كتابي.. قلمي كتابي...". هو تلك الأحلام التي كانت تراودني وأنا طفلة لأذهب للمدرسة، هو صوت والدي وهو يوصي إخوتي الصبيان بالتعلم ويمنعني، هو ذلك الرجل الباريسي المسن الذي صرخ بوجهي يوما "واش متعرفيش تقراي"، حينما سألته عن اتجاه الباص. هو ببساطة محو الأمية. بدأت في تعلم القراءة والكتابة، حينما اقتربت من سن الخمسين، وهو الشيء الذي فتح عيني على نور لم أكن أبصره من قبل.

"طاطا" ميلودة
"طاطا" ميلودة

​​كيف اقتنعت بالصعود  على خشبة المسرح لأول مرة؟

حدث هذا بالصدفة، في سنة 2008 شاهدت عرضاً للمغني الفرنسي Grand Corps Malade، وحينما سألت عن هذه الموسيقى، قيل لي إن الأمر يتعلق بفن يتلى فيه الشعر ويكون مرفوقا بالموسيقى، فقلت في تفسي أريد أن أفعل مثله. ومن ثم قمت بدورات تكوينية في المسرح، وبدأت في كتابة الكلمات قبل أن أصعد أول مرة على خشبة مسرح لو كاباري سوفاج بباريس. وتتوالى، بعد ذلك، عروض كثيرة من الغناء والمسرح وأعمال سينمائية حظيت فيها بأدوار البطولة، وانفتحت أمامي أبواب الشهرة وحب الجمهور الذين ينادونني ب"طاطا ميلودة".

لاحظنا بأن النصوص التي توظفينها في أعمالك هي في أغلب الوقت مستلهمة من حياتك وتجربتك الخاصة. وهي مرتبطة أساساً بحقوق المرأة. ما هي رسالتك للنساء المغاربيات؟

رسالتي أوجهها لكل نساء العالم. اعتدت في نهاية كل عرض أن أهديه لنساء التقيتهن وعشن تجارب مريرة في حياتهن. لهن أقول أرجوكن، "نبوس رجليكم متخليوش اللي يضركم في قلبكم". سواء أ كان زوجاً أو ابناً أو والداً أو أخاً أو جاراً أوعماً. إذا ما آذاك قولي له باحترام "أرجوك هذه الكلمة التي قلت لي آذتني، أرجوك هذه الصفعة التي وجهت لي آذتني..."، لأن كتم وإخفاء هذا العنف المتكرر سيقتلكن يوماً غبناً أو يتجلى كمرض عضال يفتك بصحتكن وحياتكن". فاطمة، مليكة، السعدية، عائشة، وردية، زهرة، خديجة كلهن صديقات عرفتهن وقضين جراء كتم المعاناة التي عشنها. هدفي تخليد ذكراهن أمام العالم.

 

معرض صور ببيت الفنانة في باريس
معرض صور ببيت الفنانة في باريس

​​ما رأيك في صورة الإنسان المغاربي هنا في أوروبا؟

حقيقة وكما كانت تقول جدتي "حوتة وحدة كتخنز الشواري". للأسف أنا منزعجة من هذا الأمر. ما يزعجني أكثر أنه مثلاً زيدان فاز بكأس العالم رفقة فرنسا، والكل يقول بأن زيدان فرنسي ونشأ في فرنسا وكذا وكذا، ولكن حينما تقع فاجعة أخرى ويكون وراءها فرنسي من أصول مغاربية، الكل يعود إلى أصله وزيارته لبلده الأم.

أتمنى من كل قلبي أن يعم السلام الأرض وأسأل الله أن يهدي النفوس. لا زلت لحد الآن لا أفهم ولا أستوعب منطق الذين يقدمون على تلك الأعمال الإرهابية وكيف يسقطون الأرواح "العزيزة عند الله".

حصدت عدة جوائز وتكريمات في مسارك الفني الحافل. ما هي الأقرب إلى قلبك؟

حظيت بتكريمات من قبل العديد من الجمعيات والمؤسسات، ومن بينها شهادة تقديرية منحني إياها وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتيران، وكان الشيء المؤثر بالنسبة لي هو حضوره في المسرح لمشاهدة أحد عروضي لمدة ساعة ونصف، قدم بعد نهايته وعانقني وعيونه ممتلئة بالدموع، ثم دعاني بعدها لتسلم الجائزة. وهناك أيضاً وسام موسيقى "سلام" في فرنسا، والذي أعطاه لي الفنان "غران كور مالاد" لأكون بذلك ثاني شخص يحظى بهذا الوسام بعده.

​​طاطا ميلودة، تعلمت القراءة والكتابة عن طريق محو الأمية، أصبحت فنانة مشهورة ومقتدرة هنا في فرنسا. ما هي أحلامك التي تودين تحقيقها؟

بخصوص الأحلام التي حققتها، فقد نجحت في تربية أبنائي الستة واليوم لدي ثمانية أحفاد. سافرت إلى الكثير من البلدان في أوربا وإلى البلدان المغاربية وصولاً إلى نيويورك، حيث أديت "قلمي كتابي" من على هليكوبتر مررت من فوق "تمثال الحرية". قمت أيضاً بدورة تكوينية على الإنترنيت، ما مكنني من التواصل مع أصدقائي وجمهوري الحبيب عبر فيسبوك وموقعي الخاص وعبر الإيميل كذلك.

طاطا ميلودة
طاطا ميلودة

​​اليوم لازلت أراني في الأربعين، فأنا أفضل أن أضع السنوات ال27 الأولى من حياتي جانباً بابتسامة تملأ محياي. حالياً أتلقى دروساً في تعلم القيثارة وأود تعلم اللغة الإنجليزية والكتابة بالعربية الفصحى، وأحلم أيضاً بتعلم السباحة. شعاري دائماً "الكثير من الفرح ومن السعادة".

 

المصدر (أصوات مغاربية)

مواضيع ذات صلة