أحمد عصيد

أحمد عصيد، مفكر مغربي علماني ورئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، هو أحد الوجوه الحقوقية البارزة بالمغرب، يعد من أكبر المدافعين عن حقوق الأقليات والمكون الأمازيغي للشعب المغربي، وله العديد من المؤلفات في مجال الدفاع عن اللغة والهوية الأمازيغيتين.

يقدم عصيد في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية" ملاحظاته حول القانون التنظيمي لترسيم اللغة الأمازيغية، الذي يوجد حاليا تحت قبة البرلمان وعلاقة اللغة الأمازيغية بحراك الريف.

نص المقابلة:

بداية ما هي أبرز الملاحظات التي تسجلها حول القانون التنظيمي لترسيم اللغة الأمازيغية من الناحية التقنية؟

أولا، أريد أن أشير إلى أن هذا القانون وضع بشكل انفرادي من طرف الحكومة السابقة من دون إشراك للفاعلين الرئيسيين والخبراء في هذا الشأن، لذلك فهو يفتقد إلى الأمور الأساسية التي ستضمن تفعيل الطابع الرسمي والحماية والنهوض باللغة الأمازيغية.

أيضا، هناك مشكل في الصيغ اللغوية التي تم اعتمادها في القانون، إذ تخلو من الإلزامية وتبقى فضفاضة وعامة، وقد تكون غير قابلة للتطبيق فيما بعد لأنها لا تحدد الكيفيات، وهذا أعتبره خرقا للدستور، الذي يقول إن القانون التنظيمي هو الذي سيحدد الكيفيات ومراحل إدراج الأمازيغية في التعليم ومجالات أخرى.

إذن فهو مشروع غامض لا نعرف ماذا تريد من خلاله الدولة بالضبط، ونحن نرفض هذا الغموض المتعمد من طرفها.

إذن، على حد رأيك مصادقة المؤسسة التشريعية على هذه المنظومة القانونية لن يساهم بشيء في ترسيم اللغة الأمازيغية بالمغرب؟

بالطبع، إذا تم تمرير هذا القانون في البرلمان بهذا الشكل الذي هو عليه، فلن يحقق أي شيء للأمازيغية، وستظل فلكلورا مظهريا، وليس لغة رسمية فعلية كما ينص على ذلك الدستور، لأن هذا القانون لن يسمح بذلك.

وكيف سيتعامل الأمازيغ مع هذا المعطى؟

إذا تم تمرير هذا القانون التنظيمي على حاله، فسنلجأ إلى المحكمة الدستورية للطعن فيه بسبب عدم موافقته للدستور ومخالفته لالتزامات الدولة.

فيما يتعلق بتجربة تدريس اللغة الأمازيغية في المراحل الأولى من التعليم العمومي، هل فعلا يستطيع التلاميذ المغاربة بعد حوالي 14 سنة من التجربة الكتابة والقراءة بهذه اللغة؟

العائق الكبير الذي واجه إدراج اللغة الأمازيغية في التعليم هو قلة الأطر التربوية أو الموارد البشرية، التي من شأنها تدريس اللغة. 

منذ إدراج اللغة الأمازيغية في التعليم سنة 2003، ما حدث فيما بعد كان كارثيا بعد تأشير الدولة على خيار المغادرة الطوعية لفائدة الأطر، ما ساهم في إفراغ المدارس العمومية من حوالي 30 ألف إطار تعليمي.

هذا إلى جانب، إجبار الدولة المعلمين الذين تكونوا من أجل تدريس اللغة الأمازيغية على تدريس أيضا اللغتين العربية والفرنسية، مع إعطاء الأولوية لهاتين الأخيرتين على حساب الأمازيغية.

وهذا المعطى في نظري، هو السبب الرئيس في عدم تقدم التعليم باللغة الأمازيغية بالمغرب، ولم يتحقق منه إلا 15 في المئة لا غير.

إذن، كتقييم عام، هل يمكن اعتبارها تجربة فاشلة؟

أكيد، هي تجربة فاشلة بنسبة 85 في المئة، وسبب ذلك هو أن الدولة قررت إدراج اللغة الأمازيغية في التعليم من دون أن توفر الظروف والإمكانيات اللازمة لذلك، فالدولة تقرر أشياء لكنها لا توفر الإمكانيات البشرية والمادية لضمان تطبيقها على أرض الواقع.

وبالتالي، هناك فرق بين الشعارات المرفوعة وبين الممارسة الفعلية.

في نظرك، هل سيمس هذا الفشل تجربة إدراج اللغة الأمازيغية في التعليم العالي، الذي تم التأشير عليه هذه السنة؟

بطبيعة الحال سيمسها، لأن الدولة حاليا تعاني من خصاص يبلغ 30 ألف مدرس، فكيف تنجح الأمازيغية في وقت لا نملك حتى الأطر الكافية لتدريس اللغتين العربية والفرنسية؟

إذا لم تقم الدولة بتدارك الخصاص الكبير على مستوى الأطر التربوية، فحتى مع خروج القانون التنظيمي لن ينفذ على أكمل وجه.

بالتالي، فإن الإشكالات الحقيقية لا ترتبط بترسيم وتنزيل اللغة الأمازيغية، بل بالمشاكل الكبرى والتدهور الخطير الذي يعاني منه الجهاز والمؤسسات التربوية بالمغرب.

في سياق مساعي تنزيل اللغة الأمازيغية على أرض الواقع، هل يمكن اعتبار حراك الريف، فضلا عن مطالبه الاجتماعية، حراكا من أجل الهوية الأمازيغية لساكنة الريف؟

بطبيعة الحال، فحراك الحسيمة يرفع مطالب اجتماعية واقتصادية وأيضا ثقافية، بمعنى أن المطلب الثقافي المتعلق بالهوية واللغة الأمازيغيتين موجود في قلب الحراك بالحسيمة ومدن أخرى أيضا. 

وأريد أن أشير إلى أن جميع المناطق التي تخرج فيها الاحتجاجات حاليا بالمغرب هي مناطق يقطنها الناطقون بالأمازيغية، لكونها المناطق الأكثر فقرا وتهميشا. لذلك فإن المطلب الثقافي في صلب الاحتجاجات الاجتماعية بالبلاد.

إذن، هو أيضا حراك من أجل الهوية؟

أكيد أن معضلة الهوية توجد في عمق الحراك، فعندما يقول أبناء الريف إنهم يعانون "الحكرة" (الظلم) لكونهم فقط "ريافة"، فهنا نجد إشكالية الهوية، لأن الدولة كانت لديها سياسة انتقامية في عهد الملك الحسن الثاني ضد الريف، وهذه السياسة جعلت سكان الريف يعتبرون أنفسهم مستهدفين، فتشكلت عندهم فكرة هوياتية أن الريف محاصر وأنه منطقة عسكرية، طبعا بسبب أخطاء الدولة.

أعتقد أنه آن الأوان لكي ننصف كل المناطق المهمشة، حتى تعود لها الطمأنينة الهوياتية وتحقق فيها التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة