أحداث الريف شمال المغرب أعادت إلى الأذهان سؤال "صمت المثقف المغربي"، إذ يشتكي البعض من "خفوت" صوت المثقف إزاء الأحداث والتحولات التي يعيشها المجتمع المغربي عموما.
فهل المُثقف المغربي صامت فعلا إزاء القضايا والتحولات التي يعيشها المجتمع؟ وما هي المعايير التي يقاس بها انخراط المثقف في هذه القضايا؟ هل بإنتاجيته الثقافية أم بحضوره الإعلامي؟
مثقفون مغاربة يجيبون على هذه التساؤلات:
"التريث قبل إصدار الأحكام"
بالنسبة لرئيس اتحاد كتاب المغرب سابقا، الكاتب حسن نجمي، فإن مفهوم المثقف "مضبب وعائم"، ولكن الذين يطرحون السؤال حول صمت المثقف "يقصدون مجموعة محددة من الأسماء مثل عبد الله العروي ومن هم في مستواه".
ويضيف: "الأغلبية المطلقة من الفاعلين في الحراك الاجتماعي الاحتجاجي في الحسيمة مثلا هم من المثقفين والنخب الفكرية والثقافية والاجتماعية أساسا، بل إن الذين يخططون للحركات الاحتجاجية في المغرب ليسوا، في نهاية المطاف، سوى عدد من أفراد النخبة الثقافية المغربية".
لا يتفق نجمي مع الطرح القائل إن المثقف المغربي منخرط في نوع من الصمت، بيد أنه يطرح سؤالا آخر: لماذا يصمت المفكرون في هذه اللحظة الاحتجاجية التي تعيشها الحسيمة؟
في تقديره الخاص، يرى نجمي أن من حق المفكر أن يحظى بلحظة تأمل خاصة، لأنه منذور لإنتاج الأفكار وليس مطلوبا منه أن يلعب دور صحفي يعلق على الأفكار بكثير من الاستعجال.
يقول في حديثه لـ "أصوات مغاربية": "عبد الله العروي مثلا لا ينبغي أن يتحدث في كل لحظة، لأنه مطالب بالإنصات للواقع وتأمله وقراءة التقارير والحوارات ومراقبة الأفعال وردود الأفعال، حتى يتمكن في سيرورة زمنية معقولة من بناء فكرة حول هذا الحدث أو حول غيره، وليس مسموحا له أن يخطئ، لأنه إذا أنتج فكرة خاطئة سيتداولها المجتمع كله".
إذن، المثقف الحقيقي والمنتج للأفكار، حسب نجمي، يحتاج دائما إلى مسافة للتأمل وإنتاج الأفكار.
يرد نجمي على من يتساءلون حول صمت المثقف قائلا: علينا أن نتوقف عن التشكيك في مكانة المثقف المغربي وإسهامه في بناء الأفكار وإثراء الوجدان العام، وكل الذين خاضوا المعارك السياسية والاجتماعية في تاريخ المغرب المعاصر منذ معارك الاستقلال إلى الحراك الاجتماعي في الحسيمة، لا أظنهم خرجوا إلى الشارع من دون خلفية فكرية وثقافية".
"المشاركة في ضمير الوطن"
وإذا كان المثقفون المغاربة يُجمعون على ضرورة تريث المثقف قبل إصدار الأحكام، وقراءة التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية بتأن حتى يتسنى لهم فهمها واستيعابها، فإن الكاتب والشاعر المغربي صلاح الوديع يؤكد أن المثقفين في المغرب لهم موقف من كل ما يحدث في البلد.
يقول في حديثه لـ"أصوات مغاربية": "أستغرب هذا الصمت، وإذا كان للمثقف انتقادات، فعليه أن يشتغل من أجل الإصلاح"، مضيفا: "أنا لا أنفي دور المثقفين وكتاباتهم القيمة، ولكننا اليوم، نرى نوعا من عدم وضوح الأفق، نوعا من الانتظار".
في السياق نفسه، يؤكد الوديع أن "المثقف ليس معنيا بالكتابة والإبداع فقط، بل أيضا بالمشاركة في قضايا البلاد، وإبداعه لا يعفيه من اتخاذ موقف مما يجري، لأن ما يحصل مصيري بالنسبة للمغرب، وليس من المقبول أبدا أن يصمت المثقف في هذه اللحظة بالذات".
ضرورة التريث، حسب الوديع، لا يجب أن تنفي دور المثقف ومشاركته في ضمير الوطن.
"ربما سيظهر جيل جديد من المثقفين الذين يستحضرون اللحظة التاريخية في البلد ويستشرفون الأفق ويساهمون في توضيح معالمه"، يؤكد الوديع.
"صمت المثقف إشاعة"
ينفي الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي ما يروج من حديث حول صمت المثقف إزاء الأحداث والقضايا التي يعيشها المغرب، معتبرا أن أغلب من يروجون لهذه الفكرة لا يتمتعون بحس نقدي فعال، ولا يملكون نصيبا معرفيا يحميهم من السقوط في الترويج لمثل هذه الإشاعات.
يقول أزغاي في حديثه لـ"أصوات مغاربية": "صمت المثقف لا يعدو أن يكون مجرد كذبة كبيرة وسمجة يتم إخراجها من القمطرات المظلمة للتلويح بها في كل امتحان، قصد الالتفاف على أصل المشاكل وتحديد المسؤول المباشر عنها".
وفي علاقة ما يشهده المغرب اليوم من أحداث، خاصة في منطقة الريف شمال المغرب، يؤكد أزغاي أن "فعاليات المجتمع المتنورة، وليس المثقفون فقط، ساهموا في إثارة الانتباه إلى بؤس التعاطي الرسمي مع ما يحدث، وإلى خطورة عدوى انتقال موجة الاحتجاجات إلى مناطق أخرى تطالب بتصفية مختلف مظاهر الفساد".
الصامت الفعلي إذن أمام ما يحدث ليس هو المثقف أو المبدع أو الفاعل الحقوقي، حسب أزغاي، بل هو الفاعل السياسي الذي "أبان عن حربائية ووصولية في التعامل مع تطورات الأحداث، فكيف يعقل أن يصرح الفاعل السياسي بالشيء ويتبنى عكسه في ظرف 24 ساعة. إنه أمر يثير الكثير من السخرية السوداء".
المصدر: أصوات مغاربية