تُعرف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية بوصفها "جزء أساسيا لا يتجزأ من الصحة"، هذا التعريف يعني أنه لا يوجد فرق بين الصحة النفسية والصحة العضوية، غير أنه على مستوى الواقع نجد أن المجتمع كثيرا ما يفرق بين الصحة النفسية والعضوية وقد يعطي أولوية للأخيرة على حساب الأولى، وقد يجد حرجا في اللجوء إلى الطبيب النفسي في حالات معينة، حتى إنه قد لا يعتبر بعض الاضطرابات من قبيل القلق والاكتئاب أمراضا تستدعي التدخل.
في المغرب، تشير آخر الأرقام التي كشفت عنها وسائل إعلام، استنادا إلى تقرير لوزارة الصحة، إلى أن نحو نصف المغاربة (48%) يعانون من مشاكل نفسية، في مقابل خصاص على مستوى الأطر الطبية (معدل 0.63 طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة).
من ثمة يبدو من الملح التساؤل؛ ما هي مكانة الصحة النفسية لدى المغاربة؟ وهل يعترف المغاربة بأعطابهم النفسية؟
تطور الوعي
ترى أخصائية العلاج النفسي والجنسي، أمل شباش، أن "تصور المجتمع المغربي للأخصائي النفسي عرف تطورا خلال السنوات الأخيرة"، مبرزة أن "المغاربة أصبح لديهم وعي أكبر بأهمية صحتهم النفسية".
شباش التي تؤكد دوما على ضرورة الاهتمام بالنفس كما الجسد، تشير في تصريحها لـ"أصوات مغاربية" إلى أن عدم الاهتمام بالمرض النفسي كان راجعا بالأساس إلى كونه مرض غير ظاهر إذ تقول "إذا أصيب الإنسان بجرح في جسده، فهو يسارع إلى علاجه ولكن حين يتعلق الأمر بجرح داخلي وإن كان يسبب ألما ومعاناة فصاحبه قد ينكره على اعتبار أنه جرح غير مرئي".
وعما إذا كانت ترى أن الناس يتمتعون بثقافة البوح وكشف ما يعانونه للطبيب دون حرج أو تحفظ، تؤكد شباش على "دور الطبيب بهذا الخصوص، إذ ترى أن اتخاذ الإنسان قرارا باللجوء إلى الأخصائي النفسي في حد ذاته خطوة مهمة"، مبرزة أن "الحرج قد يحضر خصوصا حين يتعلق بالمشاكل الجنسية" باعتبارها "طابو"، إذ يجد الكثيرون صعوبة في الحديث عنها مبرزة أن دور الأخصائي هنا يكمن في جعل المريض يرتاح له ويثق فيه، ليبوح له بما يسبب معاناته.
اختصاص جديد
الأخصائي في علم النفس التربوي، أحمد الحمداوي، يشدد على أنه "لا يمكن الحكم على جميع المغاربة بخصوص تصورهم للمرض النفسي وللطبيب النفسي"، إذ يرى أن "الأمر راجع إلى عدة عوامل من بينها المستوى الثقافي والاجتماعي".
الحمداوي يشير في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، إلى "كون الطب النفسي بشكل عام هو مجال جديد على المغاربة"، لافتا في السياق إلى "أنه في بداية ستينيات القرن الماضي لم يكن عدد الأطباء النفسيين في المغرب ككل يتعدى طبيبين اثنين، في حين أن الرقم اليوم يصل إلى 350 طبيبا و130 أخصائيا نفسيا، رقم يبقى قليلا جدا مقارنة بالساكنة التي تفوق 30 مليون نسمة".
ومع ذلك يعتبر المتحدث أن "درجة الوعي بأهمية الصحة النفسية قد تطورت خلال السنوات الأخيرة في المجتمع المغربي، وهو الأمر الذي يعكسه انتشار العيادات وتزايد الطلب على الأطباء والأخصائيين النفسيين".
وعما إذا كان المغاربة يجدون حرجا في اللجوء إلى الطبيب النفسي، يؤكد الحمداوي أن "الحرج موجود ولكن ليس لدى الجميع" مشيرا في السياق إلى أن "طبيعة التمثلات لدى الرأي العام حول الطبيب النفسي والمرض النفسي تحسنت" وذلك بعدما كان المرض النفسي يعني للكثيرين الجنون.
ويشدد المتحدث على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية كما الصحة العضوية، إذ يقول بهذا الخصوص "إن هناك أمراضا نفسية قد تفجر أمراضا عضوية والعكس صحيح، كما أن هناك الكثير من الأمراض العضوية التي نتجت عن مشاكل نفسية"
إرث ثقافي
الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، علي شعباني، بدوره يرى "أن المجتمع المغربي أصبح له وعي أكبر بأهمية الصحة النفسية، كما أصبح يُطبع مع المرض النفسي بعدما كان ينكره ويخفيه".
شعباني، يوضح في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، أن كل ما يتعلق بالمرض النفسي كان في السابق بمثابة وصمة وكان كل من يعانون من المرض النفسي يصنفون في خانة "الحمق"، مبرزا أن "الدولة لم تبذل مجهودا كبيرا في القضاء على هذا الحكم النمطي على المرضى النفسيين".
ويتابع المتحدث مشيرا إلى أنه "نتيجة لذلك الإرث الثقافي الاجتماعي لم تكن العائلات تجرؤ على الكشف والتصريح بإصابة أحد أفرادها بمرض سواء نفسي أو عقلي" بل كانت تتستر على أفرادها المرضى، وكانت ،بدل اللجوء إلى الأخصائيين، تلجأ إلى الشعوذة والدجل والأضرحة وبعض الأماكن التي تعتقد انها تعالج تلك الأمراض".
ويتابع المتحدث مؤكدا على أن المجتمع صار أكثر وعيا بأهمية الصحة النفسية إذ أن "الكثير من الأسر لا تجد أي حرج في عرض أبنائها الذين يعانون اضطرابات سلوكية أو نفسية على متخصصين"، مشيرا إلى أنه اليوم هناك "فئات قليلة التي ما تزال ترزح تحت وطأة ذلك الإرث الثقافي الاجتماعي القديم".
المصدر: أصوات مغاربية