لاقى فيديو محاولة انتحار فتاة في محافظة صفاقس، بداية هذا الأسبوع، رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي. حادثة أثارت مجموعة من الأسئلة عن هذه الظاهرة التي استفحلت بشكل كبير في المجتمع التونسي بعد ثورة 14 يناير 2011.
الأرقام تتكلم
تشهد الإحصائيات المتعلقة بحالات الانتحار في تونس ارتفاعا من سنة إلى أخرى، وفق ما يوثقه المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ووفق تقرير المرصد، الذي حصلت "أصوات مغاربية" على نسخة منه، ففي سنة 2016 تم تسجيل 857 حالة انتحار (بعضها فاشل)، في حين بلغت هذه الحالات 549 حالة سنة 2015.
وخلال السداسي الأول من سنة 2017، تم تسجيل 354 حالة انتحار ومحاولة انتحار ، علما أنه تم إحصاء 106 حالة خلال شهر فبراير لوحده!
وبلغ عدد الأطفال الذين انتحروا أو حاولوا الانتحار، وأعمارهم لم تتجاوز 15 سنة، 51 طفلا سنة 2016 و54 طفلا سنة 2015 و24 طفلا خلال السداسي الأول من سنة 2017.
الأسباب المباشرة
وحسب المكلف بالإعلام في منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر فإن المرصد أجرى دراسة لمختلف الإحصائيات المتوفرة لديه، من اجل التعرف على الأسباب المباشرة للانتحار.
وكشف المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "المشاكل العائلية والظروف الاقتصادية والاجتماعية أهم ثلاثة أسباب تدفع بالتونسيين للانتحار".
وتختلف الأسباب التي تدفع بالشخص نحو التفكير في الانتحار، وفق رمضان بن عمر، باختلاف الفئة العمرية، حيث قال إن "الأطفال مثلا الذين أعمارهم أقل من 15 سنة يقدمون على الانتحار بسبب الضغوط العائلية المسلطة عليهم والتي تفوق طاقة تحملهم لها".
في حين "يحاول الشباب الانتحار بسبب تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية وعجزهم عن تحسين وضعياتهم".
ومن جانبه، قال الطبيب والباحث في القضايا النفسية والاجتماعية، أحمد الأبيض، "الناس يفكرون في الانتحار بسبب تعرضهم لمعاناة عجزوا في إيجاد حل لها".
وأشار الباحث إلى أن منطقة "العلا" بمحافظة القيروان، التي تسجل أعلى نسبة في حالات الانتحار، هي منطقة تقع في آخر ترتيب المناطق في تونس من حيث التنمية والنمو، وبذلك فإن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية يدفع بالأشخاص إلى اليأس من الواقع ومن الحياة.
حالة إحباط عامة
تعاني تونس، نتيجة التطورات المتعاقبة التي عاشتها في السنوات الأخيرة، من أمراض نفسية متفشية في المجتمع، وجب حسب تقدير الحقوقي مسعود الرمضاني، الاعتراف بوجودها ومعالجتها للقضاء على جملة من الظواهر السلبية.
وذكر المصدر ذاته، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "الانتحار يعد انعكاسا لحالة الإحباط التي يشعر بها التونسي وخاصة الشباب وقد تنعكس كذلك في ظواهر أخرى مثل الهجرة السرية أو السفر إلى بؤر التوتر والانضمام إلى داعش".
#خاص أمّ شجاعة تنقذ ابنها من الإنتحار حرقا في هذه الجهة من تونس !!! التفاصيل كاملة الآن ⬇ https://t.co/cq6LKceHvq
— Rassd Tunisia (@Tunisia_Rassd) August 1, 2017
فشباب تونس بعد الثورة، حسب الرمضاني، علق أمالا كبيرة وحلم بتغيير الوضع وإيجاد الشغل والكرامة، إلا أن عدم تحقق هذه الأحلام جعله يشعر بالإحباط ويفكر إما في الانتحار أو في ترك البلاد.
وفي السياق نفسه، ذكر الطبيب أحمد الأبيض أن من يفكرون في الانتحار يعيشون عادة تحت ضغط نفسي واجتماعي، "فالشخص لسبب ما يشعر بالحزن ويتعمق هذا الشعور ويتحول إلى اكتئاب، ثم يستسلم لهذه المشاعر السلبية ويفكر في الموت والانتحار".
أنواع الانتحار
وفق تقرير منتدى الحقوق الاقتصادي والاجتماعي حول ظاهرة الانتحار تم تفصيل أنواع عديدة للانتحار للتمكن من دراسته والبحث عن حلول لمعالجته.
وتتمثل هذه الأنواع، وفق ما ذكره عضو المنتدى رمضان بن عمر، في الانتحار الناتج عن الخوف وهو نوع يلجأ إليه الأطفال خاصة لخوفهم من الأولياء أو المربين.
"وهناك الانتحار الاحتجاجي ينفذه أشخاص لديهم مطالب لم تتحقق، فيغيرون الاحتجاج عبر محاولة الانتحار، والانتحار الفرجوي الذي يختار فيه، المقدم على الانتحار، مسرحا لتقديم فرجة يجلب بها الانتباه مثل الصعود لإلقاء نفسه من فوق مبنى"، حسب ما بينه محدث "أصوات مغاربية".
الان محاولة انتحار من طرف شاب في #قرمبالية... فوبيا الانتحار كثرت في #تونسالشيئ هذا موش متاعنا #تونس_المزيانة pic.twitter.com/ZAMJcwPRky
— المتمرد 🇹🇳العاقل♉ (@djojou98) April 19, 2017
وبخصوص إقدام كبار السن على الانتحار، أفاد بن عمر أن "هذا النوع يسمى الانتحار الانسحابي، يقرر فيه الشخص الموت بعد شعوره بعدم جدوى بقائه في الدنيا".
وتوجد أنواع أخرى، وفق محدثنا، مثل الانتحار العقابي بهدف معاقبة الآخرين والانتحار المنظم والانتحار العرضي.
أدوات العلاج
تعد دراسة الظاهرة وتقصي الأسباب المباشرة لانتشارها خطوة أولى نحو البحث عن الحلول وعن العلاج.
وتكمن أدوات علاج ظاهرة الانتحار، حسب الباحث في القضايا النفسية والاجتماعية أحمد الأبيض، في "الإفصاح والتعبير عما يجول بداخل الشخص".
وتابع قائلا: "النفس إذا امتلأت بشيء، سواء كان فرحا أو حزنا، تحتاج إلى الآخرين وإلى شريك حتى تبوح بما لديها".
ودعا الباحث إلى "حسن الإصغاء إلى الأطفال والتأكيد على القيم التي تقدس الحياة لنتمتع بالحياة لا لنخرج منها".
المصدر: أصوات مغاربية