الأب جوزيف
الأب جوزيف

"وأنت تجلس مع الأب جوزيف يغيب عن تفكيرك أنه مسيحي وأنك مسلم..كان يفعل الخير أينما حل وارتحل ولا يفرق في عمله الإنساني بين المسيحيين والمسلمين"، بهذه الكلمات وصف عبد الله، مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء، "جوزيف ليبين"، القس الفرنسي الذي عشق مدينة وجدة شرق المغرب ودُفن فيها بعدما أوصى بذلك في آخر أيام حياته.

"كانت الابتسامة لا تفارق محياه..حتى ولو كنت في حال سيئة، ما إن تراه حتى تزول الغمة على قلبك وتبادله الابتسامة"، يضيف هذا المهاجر الأفريقي، الذي مع أنه لم يلتق به إلا لفترة قصيرة، ما تزال صورته وكلماته لا تفارق ذاكرته.

​​"جوزيف ليبين"..الإنسان

لم يكن يعتقد "جوزيف ليبين"، ابن بلدة "سان بير اون غيتس" غرب فرنسا، أنه سيقضي أجمل أيام حياته في مدينة مغربية اسمها وجدة، ليقع في عشقها ويقرر أن يُدفن بها.

حل بالمغرب في سبعينيات القرن الماضي في مهمة دينية بالدار البيضاء، لينتقل بعدها إلى هذه المدينة الشرقية، التي سيعيش بها لأكثر من 40 سنة.

"عرفت الأب جوزيف منذ أكثر من 15 سنة، كان إنسانيا في تعامله مع الجميع ولم أحس في أي لحظة جمعتني به أنه مسيحي. لم يكن يدخل الدين في علاقاته مع الناس هنا"، يقول الفاعل الجمعوي المتخصص في شؤون الهجرة، حسن عماري.

جوزيف ليبين
جوزيف ليبين

​​يحكي حسن، أن "القس ليبين" كان من الأوائل الذين اهتموا بمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وأسس أول جمعية تعنى بهم، حتى أنه كان يوفر الكراسي المتحركة والأطراف الاصطناعية للمحتاجين من ماله الخاص، مضيفاً أنه "كان أول من اهتم بحالات المهاجرين القادمين من أفريقيا، إذ فتح أبواب كنيسة سانت لويس للمهاجرين الذين كانوا في حاجة للمساعدة".

​​يتذكر حسن تفاصيل قصة "المهاجرة الحامل" التي آواها "الأب جوزيف" واعتنى بها لعدة أشهر حتى وضعت مولودها، "كانت مهاجرة قادمة من دولة الكونغو ووجدت نفسها في يوم من الأيام في وجدة بدون مأوى، فكان هذا الرجل الوحيد الذي مد لها يد المساعدة.. هذه القصة وقعت بداية سنة 2000. وقتئذ لم تكن هناك جمعيات تعنى بالمهاجرين".

صورة لجوزيف ليبين بالمقبرة الأوروبية
صورة لجوزيف ليبين بالمقبرة الأوروبية

​​ صار اسم "جوزيف ليبين" أو "الأب" كما يحلوا لسكان وجدة أن ينادوه، رمزا للتعايش الديني و"الوفاء للأرض التي عاش بها أجمل أيام حياته بعدما وجد فيها الحب"، كما كان يقول.

كاتب وعاشق للفن

توفيق فاخر، من شباب مدينة وجدة، ما يزال يتذكر عددا من الحكايات جمعته بـ"الأب جوزيف"، "كان يفتح بابه لكل الناس ويحب الفن ويساعد الفنانين بدون مقابل .. ربما لأنه كان فنانا وروائيا".

"سلمت الكنيسة أرضا كانت في ملكيتها لعدد من الجمعيات من أجل إنشاء فضاء ثقافي، في تلك الأثناء كنت قد بدأت مشواري في غناء الراب ولجأت إليه رفقة بعض الأصدقاء من أجل أن يتوسط لنا عند مسيري هذا الفضاء، حتى نتمكن من التدرب على الغناء"، يقول توفيق مبتسما، ليضيف "سألني الأب قائلا: ماذا تغنون؟ فأجبته: الراب، ليسألني مرة أخرى : وماذا يعني الراب؟ فأجبته : هو فن شبابي يحكي هموم المجتمع. فقال لي عظيم ما تفعلون".

صورة جوزيف ليبين بالمكتبة
صورة جوزيف ليبين بالمكتبة

كان يشجع المبادرات الشبابية وتجده حاضرا في كل التظاهرات التي كانت تنظم بمدينة وجدة، وحتى تلك التي كانت تهتم بقضايا الدين الإسلامي. "أصبح واحدا من أبناء وجدة الذين قدموا لها الكثير"، يقول توفيق.

لم يكن "جوزيف ليبين" رجل دين عادي، فقد كان كاتبا وروائيا، تظهر إنسانيته في العبارات التي كان يستعملها في نصوصه. إحساسه بمعاناة الآخر تجسدت في كتاب "ابن الصحراء"، الذي وصف فيه آلام الطريق التي يقطعها المهاجرون من أفريقيا حتى يصلوا إلى "الفردوس الأوروبي".

صورة للآب جوزيف بالكنيسة
صورة للآب جوزيف بالكنيسة

​​ توفي ليلة 22 نونبر 2014 بمدينة "نانت" الفرنسية، بعدما سافر إليها من أجل العلاج، ونقل جثمانه إلى مدينة وجدة بعد أسبوع من رحيله، ليدفن بالمقبرة الأوروبية.  

 

 

المصدر: أصوات مغاربية

 

 

مواضيع ذات صلة