عهد الجزائريون خلال السنوات الأخيرة تلقي، أو بالأحرى استقراء الأخبار والقرارات الواردة من مبنى المرادية (الرئاسة الجزائرية)، عن طريق منابر إعلامية رسمية تنقل قرارات أو تعليميات يكون الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أعطاها بصفة شبه رسمية.
الرأي العام الجزائري يتساءل، هذه الأيام، عن السر وراء عدم استخدام بوتفليقة للقنوات الرسمية خلال ما سمي محليا بـ"صراع شقيق الرئيس مع الوزير الأول عبد المجيد تبون".
ولم يخاطب بوتفليقة المواطنين منذ الثامن ماي 2012 عبر وكالة الأنباء الرسمية أو مؤسستي الإذاعة والتلفزيون العموميتين.
فهل استغنى بوتفليقة عن القنوات الرسمية؟ أم أن هناك أطرافا أخرى تتحدث باسمه؟
إعلام خاص.. هل تولّى دور الدعاية؟
انتابت الشارع الجزائري بعض الشكوك حول مصدر الرسالة، التي يكون بوتفليقة قد وجهها لوزيره الأول عبد المجيد تبون.
وحملت الرسالة المنسوبة لبوتفليقة "تذكيرا للوزير الأول بتوخي الحذر في علاقاته مع رجال الأعمال والمستثمرين".
وتقول وسائل إعلام محلية إن تبون دخل في خلاف مع اثنين من المقربين من شقيق رئيس الجمهورية (السعيد بوتفليقة)
"التعليمات الصارمة" المنسوبة، وفق النهار، لـ #بوتفليقة، جاءت بُعيد لقاء غير رسمي بين تبون ونظيره الفرنسي وفي أعقاب الجدل بشأن المال السياسي.
— Houssem Tekali (@HoussemTekali) 8 août 2017
لكن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس أوضح، يوم السبت، أن الرئيس بوتفليقة هو من أعطى التعليمات التي نقلتها "قناة النهار الجزائرية"، مؤكدا أن "بوتفليقة هو من يحكم البلاد فعليا".
وفي مؤتمر صحافي عقده تحضيرا للانتخابات البلدية القادمة، أعطى ولد عباس انطباعا أن "الرئيس هو من أعطى التعليمات الأخيرة، قائلا: "لمّا يتحدث الرئيس فلا مجال للجدل، علينا تنفيذ الأوامر".
وبالنسبة للسياسي، ووزير التجارة الأسبق نور الدين بوكروح، فإن "استعمال قناة خاصة لإعلام المواطن من الخطورة بما كان".
وفي تدوينة مطوّلة له على فيسبوك، قال بوكروح: "المهمة التي أوكلت منذ الاستقلال للوكالة الوطنية للأنباء APS و للتلفزيون العمومي ENTV، خلال السنتين الماضيتين لاحظنا أن هذه المهمة الدقيقة قد تم تحويلها تدريجيا إلى قناة 'النهار'" .
وفي معرض تحليله، حذر الرجل من أن تتولى قناة خاصة دور القنوات الرسمية لبث الأخبار الواردة من مبنى المرادية، مضيفا: "لا يمكنها أن تكون قناة رسمية للرئاسة".
هل هي دسيسة من أحد المقربين؟
تصرّ مديرة تحرير يومية الفجر الجزائرية، حدّة حزّام، أن التعليمات الأخيرة التي نقلتها قناة "النهار" ونسبتها للرئيس بوتفليقة، هي في حقيقة الأمر "صادرة عن مدير ديوانه أحمد أويحيى".
وفي حديث مع "أصوات مغاربية"، أكّدت حزّام أنه "لا يمكن أن تكون تلك رسالة من بوتفليقة. أقولها لكم نقلا عن مصادر رسمية، بوتفليقة لم يعط أي تعليمات. ما نقلته قناة 'النهار'، هي تعليمات أحمد أويحيى للوزير الأول".
وعن تأكيد ولد عباس أن "بوتفليقة يحكم الجزائر"، قالت الإعلامية حدة حزام: "لا! ولد عباس قال إن الحرب على تبون زوبعة في فنجان، ولم ينف أو يؤكد أن يكون بوتفليقة وراء التعليمات الصادرة".
يشار إلى أن حدة حزام نشرت تعليقا لها على يومية الفجر أكدت فيه أن أويحيى هو من وراء تلك التعليمات.
وشبهت وضع الجزائر الحالي بوضع تونس سنة 1987، حين أزيح الرئيس الراحل بورقيبة عن الحكم، داعية إلى أن "يتعاون المخلصون في الجزائر من أجل إنقاذ الجمهورية".
ويؤكد أستاذ علوم الإعلام بجامعة الجزائر، محمد لعقاب، أن ما يحدث بالجزائر هذه الأيام لا يعدو أن يكون "حربا نفسية على الوزير الأول لحمله على الاستقالة".
وفي اتصال هاتفي مع موقع "أصوات مغاربية، ذكّر لعقاب أن الرئاسة الجزائرية "عودتنا على نشر تعليمات الرئيس عبر القنوات الرسمية المتعارف عليها"، ومن ثم "فلا يمكن لأي محلل موضوعي أن يؤكد أن بوتفليقة هو من أعطى التعليمات الموجهة للوزير الأول".
واستبعد المتحدث ذاته أن يكون بوتفليقة وراء تلك التعليمات، "لسببين رئيسين: أولهما، أن الحكومة في عطلة، والثاني استحالة انقلاب بوتفليقة على تعليماته السابقة، والتي يقوم تبون بتطبيقها فعلا".
"يريدونه أن ينسحب"!
وأضاف لعقاب متسائلا: "كيف يمكن أن ينقلب بوتفليقة على قراراته في فصل المال عن السياسة، ويدافع عن حداد؟".
واستدرك: "برنامج الحكومة صادق عليه مجلس الوزراء برئاسة بوتفليقة، ثم حظي بتصديق البرلمان بغرفتيه".
وبالنسبة له، فإن القنوات الخاصة التي تُكنّ التبعية لرجل الأعمال علي حداد، هي من يقف وراء الترويج لخصوم الوزير الأول، "وليس بوتفليقة من تحدث خلال الأيام الأخيرة".
ويختم أستاذ الإعلام حديثه قائلا: "يريدونه أن يستقيل لأنهم لا يستطيعون إقالته مخافة الفضيحة".
المصدر: أصوات مغاربية