قبل دخولك مدينة بنقردان الحدودية من البوابة الشرقية بعد رحلة الست مائة كيلومتر برا، تعلن الطبيعة تمردها، ويعترضك على طول جانبي الطريق الفاصلة بين مدينتي مدنين وبنقردان، أكشاك لبيع البنزين المهرب والسجائر وصرف العملات الأجنبية.
منذ عقود طويلة ينشط أهالي هذه المدينة الصغيرة، الواقعة على الحدود مع ليبيا، في التجارة الموازية المتأتية عبر معبر "راس الجدير" الحدودي، الذي يعتبره سكان الجنوب شريان الحياة الاقتصادية لتلك المنطقة، في ظل محدودية مشاريع الدولة هناك.
بنقردان التي لطالما عرفها عامة التونسيين باضطراباتها الاجتماعية، والتي لم تهدأ حتى خلال السنوات التي سبقت سقوط نظام زين العابدين بن علي، صمدت سنة 2015 في مواجهة تنظيم الدولة "داعش" وأسقطت مخططه في السيطرة على المدنية وإعلانها إمارة اسلامية؟ فما الذي جعل من هذه المدينة قصة نجاح في وجخ التطرف تناقلتها وسائل الإعلام في العالم؟
تاريخ حافل بالصمود
أكد الأكاديمي عادل ناجي أنه خلال فترت الاستعمار الفرنسي لتونس كانت المدينة حصنا منيعا أمام "ماكينة المستعمر"، كما شكلت ملجأ للناشطين الليبين الهاربين من قمع الاستعمار الإيطالي لبلدهم ذلك .
وقال ناجي الذي ينحدر من مدينة بنقردان، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"،إن قبيلة التوازين والعروش الأخرى الموجودة في المنطقة رفضت التطبيع مع أي من القوى الاستعمارية، هذا المعطى التاريخي "لم ينمحي من الذاكرة الجمعية وتوارثته الأجيال جيلا بعد جيل لذلك انكسرت شوكة داعش وانهارت أحلامه في السيطرة على المدينة".
كما استحضر الباحث، في تصريحه لـ"أصوات مغاربيى"، استقبال المدينة سنة 2011 مئات آلاف اللاجئين الهاربين من توتر الأوضاع في ليبيا، وأضاف ناجي قائلا: "سنة 2011 صنعت المدينة حدثا تاريخيا بإيوائها لمئات آلاف اللاجئين الوافدين إليها والفارين من أتون الحرب في ليبيا".
مدينة مهمشة ولكن
تغيب في مدينة بنقردان مشاريع كبرى للدولة، ويقتصر نشاط أهالي البلدة على التجارة الموازية أو مسالك التهريب، التي تسببت مرات عديدة في توتر الوضع الأمني.
وتعليقا على هذا الوضع يوضح الناشط في المجتمع المدني، عبد السلام الرقاد، أن "الوضع الاقتصادي للمدينة لم يتغير، ليس لدينا مشاريع تنموية والدولة لم تغير من خياراتها تجاه المنطقة رغم اندلاع الثورة التي رفعت شعارات الحرية والتوزيع العادل للثروات".
وأردف الرقاد، في تصريح لـ"أصوات مغاربية" قائلا إنه رغم الضيم الاقتصادي والحرمان الذي عانى منه الأهالي لعقود طويلة إلا أنهم "لم يفرطوا في شبر واحد من أرضهم ووقفوا صفا واحدا ضد داعش التي كانت تعول على عامل الفقر والتهميش لتشكيل حاضنة شعبية، لكن أهالي بنقردان انتصروا لوطنهم".
ويرى الرقاد أن بنقردان الناقمة على سنوات التهميش والحرمان من النظام "قدمت درسا للعالم مفاده الذود على أرض الوطن مهما اشتد الظلم".
صنع الملحمة
"بنقردان مدينة صغيرة قوت أهلها من التجارة البينية مع الجارة ليبيا والدولة التونسية همشتها" يقول عبد السلام الرقاد قبل أن يستطرد بالقول: "أكثر من التهميش الدولة حاربت ساكنة بنقردان في قوتهم ونمط حياتهم كفلاحين في بلدة تجارية على حدود الجارة ليبيا بسن قوانين جائرة".
وشهدت مدينة بنقردان في السابع من مارس 2015 أضخم هجوم إرهابي منذ ثورة 2011، حين خططت مجموعة إرهابية تونسية تدربت معظم قياداتها في ليبيا وأكثر عناصرها من نفس المدينة، لاحتلال المدينة وتحويلها إلى موطئ قدم لتنظيم داعش الإرهابي في تونس ، غير أن لحمة الأهالي ومساندتهم قوات الجيش التونسي مدعومة بقوات الأمن ساعدها في صد هذا الهجوم الإرهابي.
المصدر : أصوات مغاربية