تسببت تصريحات رئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، حول "مشروع قانون إعادة الأوقاف" في ضجة جديدة في تونس، بعد تلك التي أثارتها مقترحات رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، بإقرار المساواة التامة بين المرأة والرجل في الميراث.
ويعد النقاش حول موضوع الأوقاف قديما متجددا في تونس ما بعد الثورة، خاصة وأنه تم تقديم مشروع قانون في الغرض سنة 2013 إلا أنه بقي معلقا في أروقة البرلمان.
أوقاف تونس
يعود تاريخ الأوقاف أو الأحباس في تونس إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي وتشرف عليه مؤسسة الوقف، وفق ما ذكره القاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد الوطني لاستقلال القضاء في تصريح لـ"أصوات مغاربية".
وقال القاضي: "إن الأحباس في تونس تنقسم إلى نوعين أحباس عامة تصرف مداخيلها لفائدة الخدمات العامة مثل مصاريف التعليم والصحة وغيرها، وأحباس خاصة تتعلق بتخلي المحبس على عقارات وإخراجها عن التداول بالبيع أو الشراء ويستفيد الأبناء من منتوج الحبس".
وتعرف الأوقاف أو الأحباس بصفة عامة، وفق محدثنا، بأنها "إخراج ملك من التداول العمومي بالبيع والشراء وتوظيفه لخدمة مصلحة عامة أو مصلحة خاصة".
واستمر العمل بالأحباس العامة والخاصة، حسب القاضي أحمد الرحموني، إلى غاية فترة الاستقلال وإقرار إلغاء الأحباس العامة في مايو 1956 والأحباس الخاصة في يوليو 1957.
وأكد رئيس المرصد الوطني لاستقلال القضاء أن عمليات تصفية الأحباس في تونس مازالت قائمة منذ تاريخ إلغاؤها إلى اليوم، وأضاف قائلا: "من المفارقات تجدد الدعوات إلى إعادة الأحباس في حين تواصل وجود لجان جهوية ومحاكم تعمل على حل الأحباس القديمة التي تم إلغاءها منذ 61 سنة".
وأشار القاضي إلى تواصل العمل بمنظومة الأوقاف والأحباس في عدد من الدول الإسلامية وأن فكرة إحيائها في تونس غير جديدة نظرا لتقديم مشروع قانون ينظم الأوقاف سنة 2013.
راشد الغنوشي طالب بحماية التعليم في تونس بسن قانون يحمي الاوقاف التعليمية و يجعل هذا القطاع بعيدا عن بيروقراطية الدولة
— أحمد أبو دقة (@ahmed5480) 29 août 2017
مصلحة وطنية
ودعا رئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، الكتلة البرلمانية للحركة إلى تقديم مشروع قانون ينظم "القطاع الاقتصادي التضامني أو ما يعبر عنه بالوقف في اللغة الإسلامية" وفق قوله.
ورأى الغنوشي، في كلمة ألقاها خلال حفل تكريم أوائل الجامعة التونسية ونقلتها عدد من وسائل الإعلام، أن هذا "القطاع الثالث" سيجعل التعليم لا ينتمي للقطاع الخاص أو العام وإنما سيكون "مثل ما كان عليه جامع الزيتونة وجامع عقبة ابن نافع ملكا للشعب".
ولا تعتبر دعوة الغنوشي بتقديم قانون متعلق بالأوقاف الأولى من نوعها في تونس، إذ سبق لوزارة الشؤون الدينية أن تقدمت بمشروع قانون مماثل سنة 2013.
وبيّن وزير الشؤون الدينية السابق، نور الدين الخادمي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن مشروع القانون أ"عدته الوزارة حينها بالشراكة مع وزارة الفلاحة ووزارة المالية وعدد من الخبراء في القانون والاقتصاد وفقهاء الشريعة".
وتعتبر الأوقاف، وفق الخادمي، "فعل الخير من أجل تحقيق النفع للناس والمساهمة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد".
ورأى محدثنا، أن الأوقاف تساهم في توفير مواطن شغل ومساعدة المرضى والفقراء ومن شأنها توفير موارد إضافية للدولة والشعب من خلال المساهمة في بناء الجسور والطرقات وتطوير المؤسسات.
وأوضح ذات المصدر بأن "الأوقاف تندرج ضمن الاقتصاد التضامني وهي مشروع وطني ضروري وواجب ولن يحس لأي شخص وإنما سيحقق فائدة عامة ويساهم في تقليل نفقات الدولة".
حق أريد به باطل
من جانبه، انتقد الخبير الاقتصادي، معز الجودي، دعوة رئيس "حركة النهضة" لتقديم قانون يتعلق بالأوقاف، قائلا: "الأوقاف من المواضيع البالية والقوانين غير المعمول بها".
ورأى الجودي أن الأوقاف "لن تحقق أي نفع للاقتصاد التونسي وإنما يمكن أن تكون مضرة من خلال توظيفها في عمليات تبييض الأموال".
وذكر الجودي بتنامي عمليات تبييض الأموال في تونس خلال السنوات الأخيرة ويمكن، حسب رأيه، "استغلال الأوقاف في هذه العمليات من خلال تمويل مدارس أو مستشفيات بأموال غير نظيفة".
وقال محدثنا: "الأوقاف حق أريد به باطل من خلال استغلال عمل الخير في تبييض الأموال والدعاية السياسية لشخص ما أو حزب ما".
وعلى الدولة، وفق معز الجودي، اللجوء إلى "الخوصصة والسماح للأثرياء في خلق هياكل ومنظمات خيرية تساهم في المصاريف العامة ويتم مراقبتها من أجل التخفيف من أعبائها".
المصدر: أصوات مغاربية