فتحت ثورة 14 يناير 2011 أبواب الحريات في تونس ومن بينها "حرية التنظم"، إذ بلغ عدد الأحزاب السياسية 208 حزبا، وفق آخر الإحصائيات الرسمية، .
رقم مرتفع حسب ما وصفه نشطاء على الشبكات الاجتماعية، حيث تساءلوا عن "أسباب هذا الارتفاع وجدوى هذه الأحزاب ومساهتها في الساحة السياسية؟".
نص قانوني تحرري
بلغ عدد الأحزاب في تونس، إلى غاية أمس الإثنين 4 سبتمبر، 208 أحزاب، في حين لم يتجاوز عددها أصابع اليدين قبل الثورة، فهل ساهم تغيير الإطار القانوني المنظم للأحزاب في هذا الارتفاع؟
أكدت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي، أن الإطار القانوني المنظم للأحزاب شهد تغيرا جذريا بعد الثورة و"تحول من الانغلاق والتضييق إلى الانفتاح والتحرر".
وبينت القليبي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن القانون عدد 154 لسنة 1959 المتعلق بالجمعيات بمختلف أصنافها ومنها ذات الطابع السياسي، كان ينظم تأسيس الأحزاب السياسية في تونس قبل الثورة.
ووفق هذا القانون فإن خلق أي تجربة سياسية حزبية، حسب ذات المصدر، يخضع إلى ترخيص مسبق من قبل السلطة التنفيذية، ممثلة في وزير الداخلية.
وقالت القليبي: "كان منح هذه التراخيص مقيدا ومحدودا للغاية سواء لتأسيس حزب أو جمعية مدنية".
وأضافت القليبي أنه بعد الثورة كان من الضروري "إصلاح المنظومة التشريعية المتعلقة بتنظيم النشاط في الفضاء العام، وقبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تم إصدار جملة من المراسيم التي تنظم تشكيل الأحزاب والجمعيات وقطاع الإعلام السمعي البصري وغيرها من القطاعات".
ورأت لقليبي أن المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب يعتبر "نصا تحرريا" جاء في سياق "فلسفة الثورة التي انطلقت من حراك اجتماعي واقتصادي من أجل التغيير".
وقالت محدثتنا: "من حسن الحظ أنه تم سن مرسوم تحرري يمنح حرية التنظم، ومن الخطير التفكير في تعديل المرسوم للحد من ارتفاع عدد الأحزاب لأن أي تغيير يكون في اتجاه التضييق".
ويذكر أن وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان تسعى إلى تنظيم "استشارة وطنية" حول إعداد قانون جديد ينظم الأحزاب السياسية.
ظاهرة صحية
من جانبه، اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية، غازي الشواشي، أن ارتفاع عدد الأحزاب "يعتبر ظاهرة صحية في تونس التي عاشت عقودا من استبداد الحزب الحاكم وفتحه باب تأسيس الأحزاب الكرتونية فقط".
وقال الشواشي إن "الانفجار في عدد الأحزاب أمر طبيعي لأننا في مرحلة تأسيس الديمقراطية، ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية دون تعددية حزبية".
وأشار الشواشي إلى أن هذا "الانفجار" في عدد الأحزاب التونسية بدأ يتراجع "ففي الفترة الأولى من الثورة كنا نشهد تأسيس عشرات الأحزاب كل أسبوع أما الآن فقد تراجعت هذا الإيقاع بكثير".
وبخصوص فاعلية هذه الأحزاب، ذكر محدثنا أن الأحزاب التي انتخبها الشعب والممثلة في البرلمان "هي فاعلة سواء في الحكومة أو في المعارضة، والأحزاب التي خارج البرلمان تعتبر مشلولة وستكون مضطرة إما إلى الانصهار مع أحزاب أخرى أو حل نفسها بنفسها أو أن تبقى دون فاعلية".
غياب النضج السياسي
خلافا إلى ما ذهب إليه البرلماني، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي، أن ارتفاع عدد الأحزاب وتجاوزها الـ200 "ظاهرة غير صحية" مقارنة بعدد السكان في تونس "لأن الأحزاب هدفها الأول تأطير أفراد المجتمع سياسيا".
وبالعودة إلى الفاعلين في المشهد السياسي، رأت محدثتنا أن عدد الأحزاب "يعتبر مجرد رقم في السجلات الرسمية أما على أرض الواقع فإن عدد الأحزاب الفاعلة أقل بكثير".
وجدير بالذكر أن 15 حزبا ممثلين داخل البرلمان التونسي وشهدت هذه القائمة تغييرات بعد انقسام حزب نداء تونس واندماج بعض الأحزاب مع بعضها.
وفي هذا السياق، ذكرت القليبي أنه "على الميدان لا يوجد سوى 15 حزبا في أحسن الحالات و5 آلاف جمعية ناشطة من جملة قرابة 20 ألف مسجلة في الدفاتر الرسمية".
وأكدت سلسبيل القليبي: "أي دولة تمر من مرحلة الانغلاق إلى مرحلة الانفتاح تشهد طفرة وانفجارا في عدد الأحزاب، لكنها ستعيش تدريجيا إعادة هيكلة وتنظم من خلال اندثار عدد من الأحزاب وانصهار أخرى في بعضها البعض".
وبخصوص تواصل إنشاء الأحزاب رغم مرور ست سنوات على الثورة، رأت محدثتنا أن ذلك يعود إلى "غياب النضج السياسي وضرورة العمل على إرساء الوعي وترشيد المواقف والأفكار بدل العمل على تغيير القانون".
المصدر: أصوات مغاربية