ينفق الجزائريون أموالا باهظة على تكاليف طلب تأشيرة السفر "شينغن"، وهي مبالغ تُصب في خزينة مكتب "تي آل أس"، المخصص لاستقبال طلبات الفيزا إلى فرنسا.
ويعكس الإقبال المتزايد على طلب تأشيرة السفر إلى دول الاتحاد الأوربي الوجه القانوني للهجرة المقنّنة، بينما أرقام الهجرة السرية نحو أوروبا تشكّل أزمة غير معلنة، تتفادى الحكومة الجهر بها للرأي العام، رغم التدفّق الكبير لمئات المهاجرين الذين يُطلق عليهم اسم "الحرّاقة" نحو سواحل دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
أزمة متواصلة
تنقل المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي العشرات من حالات الهجرة من سواحل شرق البلاد نحو إيطاليا وصقلية، وعادة ما تنتهي تلك المغامرة لقوارب "الحرّاقة" بتدخل فرق الإنقاذ الإيطالية التي تقدّم الإسعافات الضرورية للمهاجرين، الذين يفضلون مراكز التوقيف والاعتقال في أوروبا على العيش في الجزائر.
وينشر "الحراقة" صورهم بعد الوصول إلى شواطئ إيطاليا، حتى يطمئن أهلهم وأصدقاؤهم، أو تغيب الأخبار عن بعضهم الآخر ويلف الغموض مصيرهم الذي غالبا ما يكون الغرق، بينما تغيب المتابعة الرسمية للكثير من "الحراقة"، الذين يعتبرون في عداد المفقودين.
دراسة
تشير دراسة سوسيولوجية لظاهرة الهجرة السرية في المجتمع الجزائري، صادرة عن جامعة تلمسان غرب الجزائر، إلى بعض من مظاهر الهجرة السرية نحو أوروبا، عبر مسالك جديدة في مدن الساحل الغربي للجزائر، بواسطة قوارب طولها يتراوح ما بين 4 إلى 5 أمتار، وعرضها 5.2 متر.
ورصدت الفرق الجهوية للتحري حول الهجرة السرية هذه المعلومات، حيث تشترك مجموعات تضم ما بين 10 أشخاص إلى 12 شخصا في شراء تلك القوارب بمحرك قوته ما بين 40 إلى 60 حصانا، بمبالغ مالية تتراوح ما بين100.000 إلى 500.000 دج للإبحار نحو مدينة ألميريا الإسبانية، وغالبا ما تنطلق رحلات الهجرة السرية من 9 شواطئ تابعة لولايات وهران، عين تموشنت وتلمسان.
وترى الدراسة أن ضغوط البيئة وتفكك الروابط الاجتماعية، وانفصال الفرد عن الثقافة التي يعيش فيها، والنزعة المتطرفة للفرد، وارتباطه بجماعات متشبعة بفكرة الهجرة السرية، إضافة إلى اضطراب الحياة السياسية والاقتصادية، وحدوث هوة بين الطموح الشخصي والواقع، كلها من الأسباب الجوهرية للهجرة السرية إلى الخارج.
الحرية والديمقراطية
يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي عمار مانع أن" الهجرة السرية هي استقطاب المركز للهامش، أي الدول المتطورة للعالم الثالث، وقد كانت الهجرة الشرعية مفتوحة خلال الستينيات والسبعينيات، لكن ظهور الأزمة الاقتصادية أدى بالعالم المتطور إلى رفض اليد العاملة الرخيصة التي كانت تهاجر من الهامش إلى المركز".
وبالنسبة للجزائر، يرى المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "قربها من أوروبا، والعلاقات التاريخية مع فرنسا، عوامل ساهمت في تدفق الهجرة من شمال أفريقيا إلى جنوب أوروبا، والأسباب في الغالب سوسيولوجية أكثر منها سياسية، دون تجاهل الرغبة في العيش بحرية بعيدا عن القيود الاجتماعية".
وعن الحلول يقول عمار مانع إن "الجزائر دولة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية، وعليه يجب خلق آليات تسمح للإنسان بالإبداع، والعيش بحرية تحت نظام ديمقراطي، ومجتمع متحرر من القيود".
استغلال
من جهتها تعتقد الباحثة في شؤون الأسرة، فاطمة الزهراء فاسي في تصريح لـ “أصوات مغاربية"، "أن الهجرة السرية أقوى من الشباب والمجتمع، وعندما نفكر في قوارب الموت التي تُغرق شبابنا في البحر، لابد أن نفكّر في هوية من يوفّر 30 مليونا لكل شاب حرّاق، فظاهرة الحرّاقة ليست بريئة".
وترى فاطمة الزهراء فاسي أن جهات وراء تنامي الظاهرة لأن "الشباب الجزائري لا يعيش فقرا، بدليل أن غالبية السوريين نجحوا في جمع الثروة من التجارة والخدمات في الجزائر وليس في أوروبا، الشباب عندنا فقط لا يمتلك الفطنة الاجتماعية والتجارية".
وتضيف ذات المتحدثة "هناك استقطاب لشبابنا من طرف منظمات وجماعات متطرفة بأوروبا، وأخرى تنشط في التجارة القذرة، لذلك لا تصدّقوا أن الشباب الجزائري يهاجر للخارج بسبب الجوع!".
ورغم اختلاف الطرح حول الأسباب التي تقف وراء تنامي الظاهرة، تبقى ظروف الحياة الاجتماعية وانسداد الآفاق السياسية والفرص الاقتصادية، وراء طوابير المهاجرين إلى أوروبا، سواء حققوا أحلامهم، أو انتحروا على أسوارها.
المصدر: أصوات مغاربية