صور لأطفال حديثي الولادة مرميون في مصبات النفايات أو في الطريق العام أجبرت أمهاتهن على التخلي عنهم بدل مواجهة العائلة والمجتمع، حتى لا يتم تصنيفهن ضمن خانة الأمهات العازبات أو أن يوصف أبناؤهن بـ"مجهولي النسب" أو "اللقطاء".
ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة عن عدد الولادات خارج إطار الزواج، فإنها تبقى من المشاكل الاجتماعية التي تسعى الدولة التونسية ومنظمات المجتمع المدني إلى إيجاد حلول لها، والإحاطة بالأم وابنها أمام صد المجتمع والنظرة الدونية لهذه الحالات.
أرقام تقريبية
تلقت مختلف مكاتب مندوبي حماية الطفولة المنتشرة في جهات الجمهورية خلال سنة 2016، 823 إشعارا يتعلق بـ807 طفلا ولدوا خارج إطار الزواج، بنسبة 8.2 بالمائة من مجموع الإشعارات.
وقد بلغ عدد هذه الإشعارات سنة 2015، وفق التقرير الإحصائي لمندوبي حماية الطفولة، 955 إشعارا تخص 925 طفلا ولدوا خارج إطار الزواج.
وفي تصريح لـ"أصوات مغاربية"، كشف المندوب العام لحماية الطفولة، مهيار حمادي، أن هذه الإحصائيات تكشف فقط حجم الولادات المعلن عنها خارج إطار الزواج، دون احتساب الولادات التي تتم في المنازل وفي بعض المصحات ولا يتم الإبلاغ عنها.
ومن جهتها، ذكرت مديرة "جمعية السبيل للإحاطة بالأم والطفل" منيرة الكعبي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن عدد حالات الإنجاب خارج إطار الزواج يتراوح بين 1000 و1100 حالة، أي بمعدل ثلاث حالات يوميا تقريبا.
وبحسب الملفات الواردة على الجمعية ومتابعتها لحالات الأمهات العازبات، أفادت محدثتنا بأن معدل أعمار الأمهات العازبات يتراوح من 13 سنة إلى حدود 42 سنة وأكثر نسبة بينهن من 20 إلى 25 سنة.
الاغتصاب والتغرير
يعود انتشار حالات الإنجاب خارج إطار الزواج في تونس، حسب المختص في علم الاجتماع، سامي نصر، إلى "ارتفاع معدلات الاغتصاب في تونس، والتي ينتج عنها حمل في أغلب الأحيان".
وأضاف محدثنا أنه في معظم الحالات "تتحمل الضحية مسؤولية حملها بمفردها" خاصة وأن العائلة التونسية "ترفض احتضانها وتشكك في روايتها حول الاغتصاب وتحملها المسؤولية".
وأشار المختص في علم الاجتماع الاجرامي، إلى أن الجاني يبحث دائما عن "ضحية على المقاس" وفي حالة الإنجاب خارج إطار الزواج "تكون الضحية غير مثقفة وذات مستوى تعليمي ضعيف كما تكون منحدرة من أوساط اجتماعية فقيرة أو متوسطة".
ووفق بعض الحالات التي عاينها، تكون الفتاة منحدرة من عائلة فقيرة بأحد الجهات الداخلية يتم إرسالها إلى العاصمة من أجل العمل وتتورط في علاقات خارج إطار الزواج وتجد نفسها أما عزباء دون أي سند.
وبخصوص اعتبار البعض أن انفتاح المجتمع وتحرره من القيود سبب في انتشار العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، أكد المختص أنه وفق العديد من الدراسات والإحصائيات فإن الأمهات العازبات ينتمين إلى عائلات محافظة وجهات داخلية.
ووفق إحصائيات نشاط مندوبي حماية الطفولة، سجلت محافظتا تونس (العاصمة) وسوسة (الساحل التونسي) أعلى معدلات الولادة خارج إطار الزواج سنتي 2015 و2016، ففي سنة 2016 تم تسجيل 151 حالة في محافظة تونس و149 حالة في محافظة سوسة.
ومن جهته، أفاد الباحث في القضايا الاجتماعية أحمد الأبيض بأنه عادة ما تكون الأنثى "ضحية تغرير ووعود زائفة بالحب والزواج".
وذكر الباحث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الفتاة خاصة في مرحلة المراهقة وبفعل الإفرازات الهرمونية "تبحث عن الحب والعاطفة بعكس الذكر الذي يبحث عن الجنس ولتحقيق هذه الرغبة يسعى بحلو الكلام للإيقاع بالفتيات".
وأضاف محدثنا أن "الفتاة تنخدع بكلام الحب ووعود الزواج وبعد حدوث الحمل يتركها الرجل تتحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بمفردها".
وفي السياق نفسه، قالت مديرة جمعية السبيل: "أغلب الأمهات ضحية تحايل الرجل عليهن فهناك من الرجال من يستغل المرأة للوصول إلى غايته ويتركها بعد ذلك".
فبعض الأمهات العازبات هن، وفق المصدر ذاته، طالبات من داخل الجمهورية "يكون لديهن نقص في الموارد المالية ويفتقدن للسند العائلي فيتم استغلالهن من قبل رجال مختصين في استغلال واصطياد هذه الفئات الهشة".
رفض وإدانة
تجابه الأم العزباء، وفق مختلف المختصين برفض مجتمعي وإدانة تجعلها تغادر بيت العائلة وتبحث عن ملجأ آخر لدى الدولة أو المنظمات المدنية.
وأفاد المختص الاجتماعي سامي نصر بأن "الأمهات العازبات والإنجاب خارج إطار الزواج وضعيات مرفوضة في المجتمع" إلا أن المجتمع التونسي "يفرق في ردة فعله بين المرأة والرجل، إذ تتعرض المرأة والطفل إلى الإدانة والرفض والإهانة في حين لا يتعرض الرجل إلى أي حكم اجتماعي وكأنه غير مسؤول على الواقعة".
واعتبرت مديرة جمعية السبيل أن كرامة الأمهات العازبات وأطفالهن في تونس "مهدورة" ويجب "معاقبة الرجل المتسبب في ذلك بأن يتزوج الضحية رغما عنه".
وأشارت منيرة الكعبي إلى أن الرجل يتسبب في الحمل ثم يترك الضحية تتحمل المسؤولية كاملة ويبحث له عن ضحية أخرى نظرا لتساهل القانون التونسي وعدم تنصيصه على معاقبة الرجل ومحاسبته.
ومن جهته، أضاف الباحث أحمد الأبيض أن "رفض الأسرة والمجتمع الإحاطة بالأم العزباء يدفعها إلى الانحراف واللجوء إلى شبكات الدعارة لتوفير حاجياتها وحاجيات طفلها".
تدخل الدولة
تسعى الدولة من خلال جملة من الإجراءات إلى الإحاطة بالأمهات العازبات وأطفالهن.
ووفق المندوب العام لحماية الطفولة، مهيار حمادي، فإن الأمهات والأطفال في حاجة إلى مرافقة ورعاية خاصة لذلك "تتعهد الدولة برعاية الأم القاصر خلال حملها بتوفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية".
وتتعهد الدولة، حسب محدثنا، في حالات ولادة الأم العازبة في المستشفيات العمومية من خلال توفير الرعاية التي تفتقدها "بسبب هشاشة علاقتها بأسرتها ورفضها لحملها خارج إطار الزواج".
وذكر حمادي أنه فور الولادة يتم فتح بحث أمني من أجل تحديد هوية الأب باعتماد التحليل الجيني وإسناد الطفل لأبيه بمجرد صدور نتائج التحليل، كما يمكن في حالات أخرى إسناد الطفل إلى هوية افتراضية.
وأشار المصدر ذاته إلى أن قرار حضانة الطفل يبقى مكفولا للأم التي تبقى لها حرية الاختيار إما باحتضانها لطفلها أو تركه في قرى رعاية الأطفال فاقدي السند أو التخلي عنه بالكفالة أو التبني لعائلات أخرى.
المصدر: أصوات مغاربية