يتواصل الجدل في تونس، بعد مصادقة البرلمان بالأغلبية (117 مقابل 9) على "قانون المصالحة الإدارية" الذي تم إرجاء النظر فيه لأكثر من مرة.
وقانون المصالحة يهدف بحسب الأحزاب الحاكمة إلى "العفو عن الموظفين المتورطين في قضايا فساد دون أن يتلقوا رشاوى أو هبات".
ويعتبر جزء من المعارضة التونسية أن المصادقة على هذا القانون هو "ضرب للمسار الثوري"، فيما تؤكد مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تقدمت بمشروع القانون والأحزاب الحاكمة أنه "يساعد في تهيئة مناخ ملائم يشجّع خاصّة على تحرير روح المبادرة في الإدارة وينهض بالاقتصاد ويعزّز الثقة في مؤسسات الدولة".
"إجهاز على الثورة"
يعتبر المحلل السياسي الأمين البوعزيزي أن المصادقة على قانون المصالحة "محطة من محطات عديدة تهدف للإجهاز على الثورة والانقلاب على مسار العدالة الانتقالية في البلاد".
ويقول البوعزيزي، في تصريح لـ"صوات مغاربية"، إن المصادقة على قانون المصالحة "انقلاب على مسار العدالة الانتقالية وكل المؤسسات التي جاءت بها الثورة التونسية".
ويضيف المحلل السياسي: "اتضح أن الأحزاب التي تسيطر على الرئاسات الثلاث: البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، لا تتطاول فقط على النّفس الثوري بل حتى على المكتسبات الدستورية".
لا بد من توسيع دائرة التحالفات لحماية الديمقراطية وليس فقط ما رايناه بالامس ضد قانون المصالحة
— محمد المنصف المرزوقي (@Moncef_Marzouki) September 14, 2017
في هذا الصدد، قال الأمين البوعزيزي إن "هذه الأحزاب (الأغلبية) تهدف إلى تغيير النظام السياسي الحالي والعودة إلى النظام الرئاسي، وذلك من خلال الدعوات المتكررة لتنقيح الدستور التونسي"، ويستطرد محدثنا بالقول: "أعلن الماسكون بالسلطة الحرب على الثورة، ويعتبرونها نكسة في تاريخ البلاد وهم الآن بصدد الإجهاز على الحد الأدنى الذي تحقق من وراءها".
وبشأن حصر المصالحة في الموظفين فقط واستبعاد رجال الأعمال المتورطين يقول المصدر ذاته: "هؤلاء الموظفين هم بيادق بيد جزء من رجال الأعمال المتورطين في أعمال فساد، وقد قاموا بتسهيل الإجراءات لحصولهم على امتيازات غير قانونية ولا ينبغي التساهل معهم".
لحصولهم على امتيازات غير قانونية ولا ينبغي التساهل معهم".
"خطوة أولى لطي صفحة الخلافات"
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي باسل الترجمان أن المصادقة على القانون تشكل "بداية للمصالحة مع الذين اشتغلوا مع نظام بن علي ولم يستفيدوا منه، بل كانوا يشتغلون في ظل حكم استبدادي وليس في مقدورهم رفض الأوامر التي تأتيهم كماهو حال الموظفين بمختلف الوزارات اليوم".
ويردف الترجمان: "المصادقة على القانون ليس انقلابا على مسار العدالة الانتقالية، بل يجب أن نتساءل عما قدمته هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بهذا الملف على امتداد أربع سنوات من العمل".
ويؤكد المحلل السياسي على أن الهيئات المماثلة في جنوب أفريقيا أو المغرب استطاعت إنجاز مهامها "على وجه السرعة"، فيما "فقدت هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالعمل على طي صفحة الماضي، الكثير من مصداقيتها بسبب الانحرافات الخطيرة في أدائها والصراعات والخلافات بين أعضائها".
ويشير باسل الترجمان إلى أن تونس "تعيش في ظل نظام ديمقراطي أفرزته انتخابات شفافة بشهادة دولية، والبرلمان التونسي مخول له في ظل وجود أغلبية داخله تقديم ومناقشة جملة من القوانين لحل المشاكل العالقة".
مساع لإسقاط القانون
وتستعد المعارضة التونسية لتقديم عريضة أمام الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القانون بهدف إسقاط هذا القانون.
وقال النائب المعارض عن "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إنه تم جمع توقيعات 35 نائبا من مختلف الكتل البرلمانية المعارضة لتقديم هذه العريضة، "ولدينا أمل كبير في إسقاط هذا القانون كما نجحنا في إسقاط قوانين غير دستورية في مناسبات سابقة".
وعن الخيارات المطروحة أمام المعارضة التونسية في حال فشلها في مهمتها يقول الشواشي: "لدينا ثقة في هذا خطواتنا، وإذا فشلنا فإنه لكل مقام مقال".
ودعا ائتلاف "مانيش مسامح" (لن أسامح)، الذي يتصدر التحركات الرافضة لقانون المصالحة منذ بداية الحديث عنه، مسانديه إلى التحرك على مستوى المناطق الداخلية والعاصمة بهدف الضغط على البرلمان التونسي لإسقاط القانون.
وقالت عضوة الائتلاف سماح عوادي لـ"أصوات مغاربية": "انضم إلى تحركاتنا عدد من المستقلين والطلبة وغيرهم من الناشطين، ونستعد لتنظيم تظاهرة كبيرة يوم السبت المقبل في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس للاحتجاج على هذا القانون والمطالبة بإسقاطه".
المصدر: أصوات مغاربية