يعتبر محمد أركون ناقدا للعقل الإسلامي، حداثيا جريئا في انتقاده للخطاب الديني من النصوص الدينية وأصول الفقه الإسلامي، يؤمن بالتجديد، اتهمه خصومه بالإلحاد مرة وبالكفر مرة أخرى.
من المفارقات، أنه أمازيغي متخصص في الفكر العربي، درس قيم المسيحية، وتخصص في الفكر الإسلامي. فما هي تفاصيل قصته؟
درس العربية والفلسفة الإسلامية
محمد أركون مؤرّخ ومفكر حداثي جزائري، ولد يوم 01 فبراير 1928 في منطقة تاوريرت ميمون الأمازيغية بولاية تيزي وزو. درس القيم المسيحية والأدب اللاتيني في معهد أشرف عليه الآباء البيض خلال الفترة الممتدة ما بين 1941و 1945 بوهران، غرب الجزائر.
رافق والده الذي كان يعمل تاجرا صغيرا في مدينة الأربعاء بعين تموشنت، ذات الغالبية الأوروبية من السكان آنذاك، ثم انتقل إلى الجزائر العاصمة لدراسة الأدب العربي والفلسفة والقانون، وتحصل محمد أركون على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون عام 1969.
مستشار في الكونغرس
عمل أركون مستشارا علميا لمكتبة الكونغرس الأميركي بواشنطن ما بين 2000 و2003، ودرّس في أشهر الجامعات العالمية، من السوربون إلى ليون مرورا بجامعة برلين، أما في الولايات المتحدة، فقد درّس في جامعة كاليفورنيا عام 1969، ثم جامعة برنستون سنة 1985، وجامعة نيويورك من 2001 إلى 2003.
كان عضوا في العديد من اللجان العلمية، حيث عمل في اللجنة الدولية لجائزة اليونسكو لأصول تربية السلام، وعضوا في لجنة تحكيم الجائزة العربية الفرنسية لسنة 2002، وعمل أيضا عضوا بمجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن، من سنة 1993 حتّى تاريخ وفاته في 14 سبتمبر 2010.
شهادات
يعتبر محمد أركون المفكر الأبرز في نقد العقل الديني انطلاقا من النصوص الدينية وأصول الفقه، واعتبره المتشددون خطرا على مناهجهم ونظرياتهم.
وفي هذا الشأن، يرى الباحث السوري المتخصص في سيرة الشخصيات، عبد الرحمن مظهر الهلوش، أن أركون أراد "تعميم المعرفة على الإنسانية ككل، بغض النظر على الانتماء الديني والجغرافي، وأراد إشراك العامة في فهم النصوص، وعدم حصرها بالنخب الفكرية".
ويضيف مظهر الهلوش "عَمِلَ أركون على احترام ثقافات الشعوب وعاداتها من خلال تعميق الثقافة المشتركة بين البشر، استحضر الشروط المختلفة سيسيولوجيا، وأنثروبولوجياً بمختلف أنواعها في تأملاته ومراجعاته النقدية، وهذا الأمر غير متعارف عليه في مراحل سابقة قبل أركون، الأمر الذي جعل فكره يبدو غريباً وشروطه النقدية تبدو شديدة الجرأة".
ومن جانبه كتب الباحث الجزائري وأستاذ الفلسفة، أحمد دلياني في مجلة "الحوار المتمدن"، "يقترح محمد أركون في دراساته للفكر العربي الإسلامي، برنامجا ضخما، محاولا اجتراح آفاق المحرر من أسر الكليشيهات التي أبقت الإسلام التاريخي من جهة، والفكر الغربي الحداثي الكلاسيكي من جهة أخرى، أسيرين للنظرة الجوهرانية غير التاريخية للأشياء، وأسيرين للصدامات الأكثر عنفا".
إنه يقترح المساءلات الأكثر جذرية من أجل "خلخلة أنظمة التصور العتيقة التي خلفت لنا أنظمة لاهوتية وفكرية للاستبعاد".
مصباح العالم العربي
وفي تصريح لـ "أصوات مغاربية"، اعتبر المؤرخ آرزقي محمد فراد، أن محمد أركون "صاحب عقل وقّاد، وهو بمثابة مصباح من المصابيح القليلة في العالم العربي، ناضل من أجل إخراج الفكر العربي من الجمود، ومن التكفير إلى التفكير، وحاول تحرير المواطن العربي من السياج الدوغماتي".
ويضيف المؤرخ الجزائري آرزقي فراد " أن أركون حاول تجديد هذا التراث الذي أنجبه الأجداد، لأن هؤلاء العظماء اجتهدوا لعصرهم، وما حزّ في نفسي أن محمد أركون معروف في كل العالم، إلا في بلده الجزائر، حيث الخطاب الديني السقيم، وقف حجر عثرة أمام هذا العقل النير".
دفن في المغرب
توفي المفكر الجزائري والحداثي المجدد للفكر الإسلامي محمد أركون يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2010، ودفن في العاصمة المغربية الرباط، تنفيذا لوصيته بذلك.
ترك عشرات الكتب الجديرة بالقراءة والبحث فيها. وحظي باحترام خصومه قبل أصدقائه.
من أهم مؤلفاته "الفكر العربي"، "الإسلام بين الأمس والغد"، "تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، "الفكر الإسلامي قراءة علمية”، "الإسلام، الأخلاق والسياسة"، "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد"، و"الفكر الأصولي واستحالة التأصيل"، "نزعة الأنسنة في الفكر العربي".
أنشأت مؤسسة محمد أركون للسلام موقعا إلكترونيا باسمه تضمن كل ماله علاقة به من حوارات مصورة ومسموعة ومكتوبة، وقائمة بأسماء كافة عناوين الكتب التي ألّفها.
المصدر: أصوات مغاربية