عاشت تونس خلال السنوات الأخيرة على وقع سلسلة من العمليات الإرهابية، التي نظمتها مجموعات متشددة، راح ضحيتها أمنيون وعسكريون وسياسيون وكذلك مدنيون.
وفي وقت حاولت فيه القوات الأمنية والعسكرية تطويق الخناق على هذه الجماعات، من خلال شن عمليات استباقية والقضاء على أفرادها وإيقاف آخرين، تم اتخاذ جملة من الإجراءات لتجفيف مصادر تمويل هذه الجماعات.
وأقرت اللجنة التونسية للتحاليل المالية (جهة رسمية)، في تقرير صادر عنها، تحت عنوان "التقرير الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، أن تونس تواجه مخاطر مرتفعة بخصوص مسألة تمويل الإرهاب.
إثر كل عملية إرهابية أو مواجهات مع المتشددين، تحجز القوات الأمنية والعسكرية الأسلحة والذخائر، كما أن عددا من عناصر الجماعات المتشددة متحصنة بالجبال لمدة أشهر أو حتى سنوات ويبقى السؤال المطروح من أين تتحصل هذه العناصر على الذخيرة، ومن أين تأتي بكل هذه الأموال؟
غطاء خيري دعوي
كشفت اللجنة التونسية للتحاليل المالية أن التنظيمات الإرهابية في تونس إلى جانب تحصلها على تمويلات من التنظيمات "الأم"، ممثلة في تنظيمي داعش والقاعدة، فهي تلجأ إلى توفير الأموال عن طريق جمع التبرعات والمساعدات تحت غطاء خيري دعوي.
وتعمد هذه الجماعات، وفق تقرير اللجنة المتعلق بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى إنشاء صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي وإدعاء جمع تبرعات من أجل أعمال خيرية مثل بناء المساجد ومساعدة المحتاجين.
وذكر تقرير لجنة التحاليل المالية أن عدد الجمعيات في تونس تجاوز 18 ألف جمعية وتبين تورط العديد منها في تمويل الإرهاب أو عائلات المتشددين.
وخلال السنوات الأخيرة حذر عدد من الخبراء والسياسيين من تنامي عدد الجمعيات الخيرية وإمكانية ارتباط نشاطها بالجماعات المتشددة.
وقال الخبير في الجماعات المتشددة، علية العلاني "إن تقرير لجنة التحاليل المالية أكد على ما أشرنا إليه سابقا من أن تمويل الإرهاب في تونس سببه غياب الإرادة السياسية سنتي 2012 و2013 بخصوص فرض رقابة مالية على التمويلات الخارجية للجمعيات".
وأشار العلاني ، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، إلى أن تيارات الإسلام السياسي والتيارات السلفية استفادت من ضبابية قانون الجمعيات وعجزه عن تحقيق الرقابة المالية.
ويذكر أن السلطات التونسية قررت، إثر هجوم إرهابي على نقطتي مراقبة للجيش التونسي، في محافظة القصرين في 16 يوليو 2014، تجميد نشاط 157 جمعية لوجود شبهات تورطها مع الجماعات المتشددة.
وإلى جانب تمويل بعض الجمعيات، أفاد تقرير لجنة التحاليل المالية بأن الجماعات المتشددة توفر أموالا عن طريق أنشطة تجارية وبعض الاستثمارات الصغيرة.
التهريب والإرهاب
يعتبر جمع التبرعات وإحداث مشاريع صغرى من المصادر العلنية لتمويل الإرهاب وفق ما جاء في تقرير لجنة التحاليل المالية في حين تتمثل مصادر التمويل السرية في الأموال الآتية من التهريب.
واعتبرت اللجنة أن نشاط التهريب يوفر عائدات مالية ضخمة، مشيرة إلى حجز الجهات الأمنية عدة مخازن للأسلحة خاصة في الجنوب التونسي وفي العاصمة.
وبخصوص طرق إستفادة الإرهابين من التهريب، يشير العميد المتقاعد من الحرس الوطني، علي الزرمديني، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن الجماعات المتشددة تسيطر على بعض مسالك التهريب وبعض منابع النفط والغاز، وتفرض على المهربين أتاوات كما أنها تتاجر في الممنوعات من مخدرات وأسلحة وآثار وأيضا في البشر.
وفي تحليلها لارتباط التهريب بالإرهاب، ذكرت لجنة التحاليل المالية أن أعلى المبالغ المالية التي حجزتها مصالح الجمارك في سنة 2015 تزامن مع تعدد الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس.
وأشار التقرير إلى أنه تم في شهر مارس 2015 حجز أكثر من 7 ملايين دينار تونسي وهي نفسها الفترة التي وقع فيها الهجوم الإرهابي على متحف باردو في 18 مارس 2015 وراح ضحيته 23 شخصا.
وإلى جانب التهريب، تعتمد الجماعات المتشددة في تونس، وفق تقرير لجنة التحاليل المالية، على عمليات النهب، من خلال السطو على أفراد وسلبهم الأموال.
وقال علي الزرمديني: "الجماعات المتشددة تعمد إلى السطو على الأفراد والمؤسسات من أجل توفير الأموال".
وأضاف المتحدث "أن مصادر تمويل الإرهاب متعددة ومكنت الجماعات المتشددة من تدعيم حضورها واستمرار تحركها ونشاطها".
تراجع التهديد
ورغم إقرار لجنة التحاليل المالية، في تقريرها حول غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بأن مخاطر تمويل الإرهاب تبقى تهدد الوضع الأمني في تونس، في ظل وجود نقاط ضعف عديدة مثل محدودية الإمكانيات المادية والبشرية للهياكل المعنية بمكافحة هذه الجريمة، إلا أنها أشارت إلى تراجع ملحوظ في نشاط تمويل هذه الجماعات، خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالمراحل السابقة.
ورأى الخبير المالي صادق جبنون، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن هذا التقرير أشار لأول مرة وبكل دقة لمصادر تمويل الإرهاب ويعتبر نقلة نوعية في مادة التحاليل المالية.
وأشار جبنون إلى مصادقة تونس على كل الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب إتباع إجراءات رقابية على التحويلات المالية وعلى تمويل الجمعيات.
ويرى الخبير علية العلاني، أن تراجع خطر تمويل الجماعات المتشددة، جسبما جاء في التقرير، لا يعني زواله ويمكن أن يعود بقوة، إذا لم يتم تشديد الإجراءات الخاصة بتمويل الجمعيات ومعاقبة المخالفين، والتنسيق مع المكاتب الدولية المختصة.
وقال محدثنا "حكومة يوسف الشاهد وفي ظل حربها على الفساد مدعوة إلى وضع خارطة طريق، من أجل التدقيق في ملف تمويل الجمعيات والأحزاب".
المصدر: أصوات مغاربية