اقترن النظام السياسي المغربي بشكل كبير بمفهوم "المخرن"، الذي خضع لتشريح العديد من الباحثين السياسيين، سواء مغاربة أو أجانب، تداخلت فيه العديد من التعريفات.
ما هو "المخزن"؟
في تعريفه" للمخزن"، يقول المؤرخ المغربي المعطي منجيب إنه "نظام يتميز بعدم فصل السلط، يوجد على رأسه الملك وفي قاعدته أعوان السلطة، يعتمد أساسا على الشفوي عوض القانون ويتخذ من الدين الإسلامي ايديولوجية له"، حسب تعبيره.
ما قاله منجيب، زاد عليه الباحث السياسي محمد شقير بأن "المخزن"، في منظور المغاربة، هو امتداد للسلطة المركزية على الصعيد المحلي، "أي كتلة السلطة التي تحكم سواء على الصعيد المركزي أو الجهوي أو الإقليمي".
لكن هل مايزال هذا المفهوم يحمل نفس الحمولة التي اقترنت غالبا بالهيبة والسطوة، خاصة بعد استقلال المغرب؟ وهل أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي حيزا أكبر للجيل الحالي في التعامل مع هذا المفهوم بطريقة مغايرة وأكثر جرأة؟
جوهر "المخزن"
للرد على هذه الأسئلة، يجب الوقوف أولا عند مقارنة بين "مخزن الماضي" و"مخزن الحاضر"، حيث يقول شقير في هذا الصدد: "جوهر المخزن أو السلطة هو نفسه، رغم أن أشكاله تتغير، لكنه ظل محتكرا لجميع السلط بهيبة، وبعدم السماح لأي مؤسسة أن تبرز أو تنافسه، لذلك تم مثلا احتواء الأحزاب من طرفه منذ ظهورها وهي الظاهرة التي تستمر إلى الآن".
في جوابه على نفس السؤال، يقول منجيب إن "المخزن استطاع خلال صيرورته أن يدمج داخله الآليات الحديثة للتدبير التقني والإداري"، قبل أن يستطرد أنه على المستوى السياسي والقيمي، يبقى "المخزن تقليديا جدا، لأن هدف الدولة المخزنية أن تضع الساكنة في خدمتها وليس العكس".
المخزن والنت
في حديثهما لـ"أصوات مغاربية"، أجمع المتدخلان على أن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت هامشا أكبر لتعامل المواطنين مع "المخزن" وبجرأة أكبر، سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة، وهذا مرده، حسب منجيب، "لوعي الجيل الحالي وتراجع سيطرة المخزن على المعرفة، خاصة في مجال الإعلام الذي أفرز لنا إعلاما جديدا انتشر مع مواقع التواصل الاجتماعي، الفضاء الذي لم يعد المخزن قادرا على احتوائه".
أما شقير فيقول إن "مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في تحليل آليات التحكم، بعدما أعطت للمواطن العادي السلطة والقدرة والهامش للتعبير عن آرائه وأفكاره، الشيء الذي لم يكن متاحا في السابق حينما كان المخزن يحتكر وسائل الإعلام والتعبير".
ديمقراطية الواجهة
من جهته، يؤكد أستاذ التواصل بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، مهدي عامري على أن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت للشباب إمكانات هائلة في التعبير وساهمت بشكل كبير في صقل وعيهم السياسي وأتاحت لهم حرية أكبر، قبل أن يردف أنها "حرية تبقى موضوع مساءلة، لأن العديد من الشباب أصبحت لهم شجاعة لانتقاد الأوضاع من داخل هذا العالم الافتراضي، لكن عندما يتعلق الأمر بالنزول للشارع يتحول الأمر لنوع من الإحجام والتراجع".
وفي عرضه لأسباب تراجع حدة الانتقادات بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي، يرى المتحدث ذاته، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن ذلك راجع لغياب الضمانات، "فنحن نقول أننا بلد ديمقراطي، لكننا بعيدون عن ذلك، ونكتفي بديمقراطية الواجهة، وما أحداث الريف والطريقة التي تعامل بها المخزن معها إلا تأكيد لذلك".
المصدر: أصوات مغاربية