عجوز في الثمانين من عمرها، ترتدي ملابس متسخة وممزقة، تفترش الأرض على رصيف شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي بتونس العاصمة، تستجدي المارة لمساعدتها بالقليل من المال أو الأكل، منهم من يقف لدقائق أمامها ويقدم ما يجود به خاطره لمساعدتها ومنهم من يمر دون أن يلتفت إليها ومنهم من يكتفي بإلقاء نظرة والسخط على ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية في هذا البلد.
مشهد لا يعد استثنائيا أو فريدا من نوعه بل هو متكرر حد الرتابة وكما قال نزار (صاحب محل لبيع الملابس المستعملة)، في حديثه مع "أصوات مغاربية": "كل يوم في طريقي للمحل يعترضني العشرات من المتسولين منهم المحتاج ومنهم الممتهن لهذا العمل".
يعتبر التسول في تونس من الظواهر الاجتماعية التي ازدادت انتشارا بعد ثورة 14 يناير بفعل ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وتزايد نسب البطالة والفقر، إلى جانب سعي البعض إلى تحقيق الكسب السريع والحصول على "اللقمة الباردة" كما يطلق عليها التونسيون.
تردي الأوضاع الاجتماعية
وأنت تجوب شوارع تونس العاصمة تعترض طريقك عشرات الحالات لمواطنين يجلسون على قطع من الكارتون ويرتدون ملابس رثة ويتسولون المارة للحصول على بعض المال.
وفي حديثه مع "أصوات مغاربية"، رأى أحد المواطنين ويدعى عياشي إدريس أن "تدهور الأوضاع الاجتماعية في تونس وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين دفعت الكثيرين إلى اللجوء إلى التسول".
ووفق الإحصائيات الرسمية للمعهد الوطني للإحصاء، بلغت نسبة البطالة في الثلاثي الثاني من هذه السنة 15.3 بالمئة، ونسبة التضخم 5.7 بالمئة في حين تجاوزت نسبة الفقر 15 بالمئة خلال سنة 2015.
وفي قراءته لهذه الظاهرة، بيّن الباحث في القضايا الاجتماعية الدكتور أحمد الأبيض، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن زيادة نسب الفقر والخوصصة مقابل تنامي ضغوط العائلة وانتشار عقلية المجتمع الاستهلاكي دفعت بالكثير إلى التسول من أجل توفير حاجياتهم.
الكسب السهل
رأى عدد من التونسيين أن أغلب المتسولين ظروفهم الاجتماعية جيدة لكنهم يلجؤون للتسول من أجل كسب الأموال بسرعة ودون مجهود.
وقال بلقاسم العياري (صاحب محل تجاري) أن "أحد المتسولين يأتي مساء كل يوم في توقيت خروج الموظفين ويقوم باعتراض طريق سياراتهم ويتسبب في تعطيل حركة المرور من أجل إعطائه المال".
وأضاف العياري "هذا الشخص يمتهن التسول كل يوم في نفس التوقيت وفي نفس المكان لمدة نص ساعة ويجني أموالا أنا غير قادر على تحصيلها في يوم كامل من العمل".
وذكر بعض المواطنين، في حديثهم مع "أصوات مغاربية"، أن بعض الأشخاص يتسولون المارة بطرق جديدة من خلال ارتدائهم ملابس نظيفة وأنيقة ويطلبون بعض النقود من أجل التنقل أو السفر وفي الحقيقة هم يمتهنون التسول.
"أرجوك هل يمكنك مساعدتي لشراء تذكرة سفر حتى أعود إلى بيتي لم يبق لدي المال الكافي، هذه الجملة يرددها شاب في العشرين من عمره يوميا أمام مكان عملي، هذه هي مهنته التسول بأسلوب جديد"، هذا ما ذكره نزار صاحب محل لبيع الملابس المستعملة.
عصابات واستغلال
عجوز ممددة على الرصيف بالكاد تستطيع الحركة ترتدي ملابس ممزقة وتفترش الكرتون بجانبها قارورة ماء وعصا من الأرجح أنها تتخذها عكازا يساعدها عند السير، يقدم لها بعض المارة القليل من المال.
قبلت الحديث مع "أصوات مغاربية" على خلاف العديد من المتسولين الآخرين، وقالت إنها تقطن بضواحي العاصمة توفي زوجها وولداها وتسكن مع حفيدها ولا تستطيع توفير حاجياتها اليومية.
وبخصوص كيفية وصولها للعاصمة، ذكرت أن ابن الجيران أتى بها وظروفها المادية صعبة وتحتاج إلى مساعدة الناس لأن منحة العائلات المعوزة لا تكفي لشراء حاجياتها.
وفي حين تعاطف الكثير من المارة معها، أكد البعض الآخر أن عصابات تستغل المحتاجين وتستعملهم في التسول ثم تستولي على الأموال التي يجمعونها.
أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات يعترضون المارة ويتوسلونهم لشراء مناديل ورقية أو بعض الورود البلاستكية يحترسون من أعوان الأمن ومن عدسات الصحافة ولا يكثرون الحديث عن أوضاعهم الاجتماعية مكتفين بتقديم ما لديهم للبيع أو مد أيديهم لأخذ النقود.
قال عنهم الباحث في القضايا الاجتماعية أحمد الأبيض إنهم "أطفال مجبرون على التسول إما من قبل العائلة أو بعض الأشخاص الآخرين الذين يقومون بتوزيعهم في عدة أماكن وخاصة أمام المساجد والمستشفيات ووسائل النقل العمومي حيث توجد تجمعات سكنية".
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية نشرت العديد من البلاغات الخاصة بتوقيف عدد من المتسولين وبحوزتهم مبالغ مالية هامة، خاصة وأن القانون الأساسي المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص يمنع في فصله الأول استغلال الأشخاص والأطفال في التسول.
المصدر: أصوات مغاربية