في السجل التاريخي للجزائر الحديثة وقائع كثيرة عن علاقة الأمازيغ بالسلطة: أعلام ومفكرو التيار الأمازيغي ينتقدون السلطة بشكل لاذع، لكن أمازيغ آخرين بلغوا مناصب مهمة في هرم الحكم.
ما هي علاقة أمازيغ الجزائر بالسلطة؟ هل هي علاقة توافق أم نفور؟
قبائليو 'الخدمة'
أول رئيس للمخابرات الجزائرية، وهو قاصدي مرباح، كان أمازيغي الأصل من منطقة "الشاوية"، وقد كان الرئيس هواري بومدين هو الذي عينه.
كما أن كثيرا من رجالات النظام الجزائري أمازيغ، بينهم الجنرال توفيق مدين، الرجل الأول في جهاز المخابرات لمدة 25 سنة، إلى جانب الجنرال خالد نزار، والوزير الأول أحمد أويحيى، فضلا عن سلفه عبد المجيد تبون، وقبلهما عبد المالك سلال.
عدد من المتحركين أيضا في رقعة الحياة السياسية والاقتصادية أمازيغ، بينهم رئيس أرباب العمل، علي حداد، ورئيس المركزية النقابية، عبد المجيد سيدي السعيد.
أمازيغ الجزائر يطلقون على الموجودين منهم في قلب السلطة اسم "قبائليي الخدمة".
علاقة القبائليين أو الأمازيغ عموما بالسلطة، اتسمت منذ الاستقلال بالاضطراب حتى "أصبح القبائلي يظهر وكأنه معارض بالفطرة"، تقول الناشطة الأمازيغية، حياة آيت عبة.
وتشير عبة إلى ما جرى بُعيد استقلال الجزائر، إذ خرج الناشط الجزائري، حسين آيت أحمد ضد السلطة المركزية ممثلة في الرئيس أحمد بن بلة، وكانت تلك "نقطة التحول في علاقة القبائل بالسلطة"، تقول آيت عبة.
علاقة غير محسومة
تضيف حياة آيت عبة أن "القبائل من أشرس المعارضين"، إلا أنها ترفض ربط هذا الجانب السياسي بأصلهم الأمازيغي.
"ربما هناك وعي سياسي في منطقة القبائل، قد لا تجده في نواحي أخرى، لكن لا علاقة لذلك بكونهم أبناء معارضة أو نظام"، توضح المتحدثة، قبل أن تضيف: "الدليل هو كون أغلب المسؤولين من الأمازيغ".
وفي معرض حديثها، تقول آيت عبة بشكل حاسم: "المعارضون أكثر من الموالين، وبالتالي الأمازيغ لا يمثلون السلطة في نظري".
أما المحلل السياسي، عبد العالي رزاقي، فيرى أن "تقديم القبائل على أنهم المعارضون الوحيدون للسلطة يعد من أكبر المغالطات التي أنتجها الإعلام"، حسب قوله.
زراقي يرى أيضا أن النظام الجزائري عبارة عن فسيفساء عاكسة لواقع المجتمع الجزائري، معتبرا أن بين الأمازيغ، على غرار الجزائريين جميعا، فئات معارضة وفئات موالية.
"ليسوا أكثر معارضة من الآخرين، لكن وعيهم بما يدور بوطنهم كبير جدا"، يقول المحلل السياسي، قبل أن يستطرد: "السلطة مكونة أساسا من كثير من الأمازيغ".
ويبرز رزاقي أن "انفتاح الأمازيغ على الديمقراطية أعطاهم صبغة المعارضين للسلطة بسبب عوامل تاريخية توارثتها الأجيال، لكنهم يمثلون السلطة بالقدر نفسه الذي يمثلها مواطنوهم".
جدل الانتماء
زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (المرتكز أساسا في منطقة القبائل)، محسن بلعباس، لا يرى مسألة صلة الأمازيغ بالسلطة من منطلق "إثني"، على حد تعبيره.
وفي حديثه مع "أصوات مغاربية"، يرفض بلعباس اعتبار القبائل ممثلين للسلطة الفعلية بالجزائر، قائلا: "أنا لا أفكر بهذه الطريقة، الأهم هو الانتماء الأيديولوجي والبرنامج السياسي والطريقة التي نصل بها إلى الحكم".
ويضيف محسن بلعباس موضحا طرحه: "الولايات المتحدة الأميركية لم تسأل أوباما عن أصوله الأفريقية، بل انتُخب على أساس انتمائه السياسي والبرنامج الذي قدمه للأميركيين".
وبخصوص الأمازيغ، الذين يوجدون على رأس مناصب عليا بالجزائر، يقول بلعباس: "هناك مجموعة استولت على السلطة، وهي تحاول منذ الاستقلال إقحام أناس من مختلف المشارب والأصول حتى تظهر بمظهر النظام التعددي"، ثم يعقب قائلا: "صادف ذلك أن يصل الكثير من الأمازيغ إلى أماكن اتخاذ القرار وهو أمر عادي في تصوري".
يشار إلى أن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية شارك في حكومتين في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يغادرها ويعود إلى صفوف المعارضة، لكن وزيرين كانا ممثلين له استقالا من الحزب وبقيا في الحكومة مرات عديدة.
عودة إلى التاريخ
أستاذ العلاقات السياسية بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، محمد سي بشير، يرجع علاقة الأمازيغ بالسلطة اليوم إلى عوامل تاريخية، جعلت من "القبائل معارضين تارة وموالين تارة أخرى".
وفي حديثه مع "أصوات مغاربية"، يقول سي بشير: "لو نرجع إلى تاريخ ثورة التحرير، نجد الولايتين الثانية والثالثة (الشاوية والقبائل) ظلمتا أشد ظلم".
ويبرز سي بشير أن "رجال الولايتين حاربوا فرنسا، أما 'جماعة وجدة' فاستولوا على السلطة وأخذوها عنوة، بعدما تأكدوا من انهزام الجيش الفرنسي".
وتطلق "جماعة وجدة" على ثوار أقاموا في مدينة وجدة المغربية لتدريب الجنود، ومع إعلان الاستقلال دخلوا إلى الجزائر. وكان بينهم الهواري بومدين والرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
هذا العامل التاريخي، في نظر المتحدث ذاته، "هو الذي أسس لمعارضة الأمازيغ، التي بدأت بخروج حسين آيت أحمد وحمله السلاح ضد (الرئيس) بن بلة سنة 1963".
ويضيف المتحدث ذاته: "على المستوى الاقتصادي، لم تستفد الشاوية والقبائل من مشاريع تنموية كبيرة منذ الاستقلال"، ثم يعقب متسائلا: "كيف يمكن القول إذن إن القبائل تمثل السلطة الفعلية؟".
المصدر: أصوات مغاربية