تحل يوم 5 أكتوبر لذكرى 29 لمظاهرات الخامس من أكتوبر 1988، والتي راح ضحيتها 159 جزائريا وفق الأرقام الرسمية، وأكثر من 500 ضحية، حسب نشطاء حقوقيين.
أفضت تلك الأحداث، التي حملت مؤخرا اسم "الربيع العربي الجزائري"، إلى انفتاح البلاد على اقتصاد السوق والتعددية الحزبية والإعلامية.
شباب حراك 1988 انتفض شاكيا ظروفه الاجتماعية المزرية، إثر انهيار قدرته الشرائية وانسداد أفق التعبير الحر، في ظل سياسة الحزب الواحد، ممثلا في حزب جبهة التحرير الوطني، الذي هو نفسه من يشكل الأغلبية البرلمانية اليوم، وهو من يحكم البلاد، على اعتبار أن بوتفليقة رئيسه الشرفي.
ويرى المحلل السياسي، عبد الوهاب بوكروح، أن أحداث أكتوبر 1988 كان لها تأثير في الحياة العامة بالجزائر، إذ شكل هذا التاريخ وفقه "نقطة تحول في نظرة المواطن لنفسه، كفاعل أساسي في التغيير".
ويبرز المتحدث، في هذا السياق، أن الجزائر دخلت مرحلة جديدة بعد انتفاضة أكتوبر، معتبرا الأحداث "ربيعا جزائريا مسبقا".
ورغم بعض النقائص التي يراها على مستوى الممارسة الديمقراطية، يؤمن بوكروح بأن "الجزائر تغيرت بعد 1988 إلى الأبد"، مبرزا دور الوعي بالمسؤولية الذي أضحى يتمتع به الشعب"، وهو ما يجب أن "تستثمر فيه السلطة"، وفق المتحدث.
محاولة تغيير
بالنسبة لأستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، ناصر جابي، فإن الجزائر "حققت نسبيا ما كان يتوق إليه شباب نهاية الثمانينيات"، حيث تخلص الشعب من نظام الحزب الواحد، ونجح في "انتزاع هامش حرية لم يكن يتمتع به قبل 1988".
في معرض حديثه لــ"أصوات مغاربية"، أكد المتحدث على أن الوضع العام الذي كان يشتكي منه الشعب لازال قائما، مشيرا إلى بقاء النظام ذاته، مع تغيير في الواجهة، على حد وصفه.
"نحن لم نتخلص نهائيا من المؤسسة العسكرية، وعلاقة المواطن بمؤسسات الدولة مرتبكة، ضف إلى ذلك عدم وجود تداول حقيقي على السلطة، وهو المطلب الأول لحراك أكتوبر"، يؤكد جابي.
شباب الجزائر اليوم يعرف القليل عن احداث 5 اكتوبر 1988 التي يقول البعض انها غيرت الخارطة السياسية والاجتماعية... https://t.co/FxOsBiv4DA
— madji@twiter.fr (@madjimadjid1) 4 octobre 2017
يبرز المتحدث كذلك "إصرار الجزائر على التبعية لقطاع المحروقات، رغم التجارب العسيرة التي مرت بها جراء ذات السياسة".
"الوضع لم يتغير كثيرا، ولا زال اقتصادنا ريعي"، يقول جابي ثم يستدرك: "بل زادت تبعيتنا للمحروقات".
ورغم اعترافه بتشابه الظروف التي أدت إلى انتفاضة أكتوبر بالتي تعيشها الجزائر اليوم، إلا أنه استبعد أن تؤدي ذات المشاكل إلى انتفاضة شعبية أخرى.
1988.. المنعرج
الوزيرة السابقة، نوارة سعدية جعفر، تؤكد على أن الجزائر حققت الكثير في أعقاب أحداث الخامس أكتوبر 1988، وتبرز أنه "لا يمكن لأحد أن يتنكر للجزائر خطواتها نحو إرساء دعائم ديمقراطية تشاركية".
وفي اتصال مع "أصوات مغاربية"، لفتت المتحدثة النظر إلى كون سنة 1988، منعرجا حاسما في تاريخ الجزائر الحديث، إذ "ساهمت أحداث الخامس من أكتوبر من تلك السنة، في رسم معالم لجزائر تعددية".
وتشير نوارة جعفر، في معرض حديثها، إلى "الحرية التي أصبح يتمتع بها الصحفي في الجزائر خصوصا بعد رفع التجريم عنه، وتفعيل صندوق الدعم للصحفيين" .
وترى جعفر أن "الوزير الأول أحمد أويحيى أعطى أهمية قصوى لدعم التعبير الحر في الإعلام في ضوء رؤية الرئيس بوتفليقة".
وترفض المتحدثة فكرة إمكانية أن تؤدي الوضعية المتأزمة للجزائر إلى انتفاضة أخرى.
"صحيح أننا نمر بظروف صعبة، لكن هناك إرادة سياسية للخروج من الأزمة"، تقول جعفر ثم تردف: "من يقول بإمكانية حدوث انتفاضة له نظرة سوداوية ووجهة نظره ضيقة"
الوزيرة السابقة ترى أن الجزائر التي استطاعت "الخروج منتصرة من مرحلة الإرهاب بإمكانها الخروج منتصرة من هذه الظروف"، مضيفة: "لكل مرحلة رجالها، ونحن نثق في مؤسساتنا".
رهان السلطة
مسألة التدوال على السلطة كانت محور الغضب الذي عبّر عنه شباب جزائريون سنة 2014 في إطار حراك أطلق على نفسه اسم حركة "بركات" (كفى)، عندما أعلن بوتفليقة ترشحه لعهدة رابعة.
وانتظمت احتجاجات بالعاصمة الجزائر منددة بالقرار ومطالبة بتحقيق مبدأ التداول على السلطة "الذي دفع جزائريون دماءهم في سبيله في أكتوبر 1988"، يقول المتحدث باسم حركة "بركات"، حفناوي الغول، في اتصال مع "أصوات مغاربية".
وفي نظر المصدر ذاته فإن "الأحداث التي عرفتها الجزائر بعد 1988 من تقتيل للجزائريين أيام العنف المسلح، لم تغير من عقلية السلطة التي تمادت في استبدادها وأغلقت جميع فرص الانفتاح على الشعب وتحقيق التداول السلمي على المسؤوليات".
علما ان الإشاعة في بلدنا هي المصدر الموثوق ... الله يلطف، خطاب سي احمد يذكرني بخطاب سي بن جديد رحمه الله ١٩ أيلول ١٩٨٨ - النتيجة ٥ أكتوبر...
— A.Toumi عبد النّور (@nournewsnet) 19 septembre 2017
وبرأي المتحدث ذاته فإن :الحلم بالتغيير الذي حرّك انتفاضة أكتوبر لم يتحقق، إذ أن هناك أكثر من 12 مدونا في السجون وعدة أحزاب تنتظر الاعتماد منذ سنوات"، مضيفا: "هذه السلطة لا تؤمن بالتغيير ولا بالتداول".
وبخصوص فرص التغيير التي قد تفرزها الوضعية الحالية للجزائر، يقول حفناوي: "الجزائر اليوم مقبلة على خطر أكبر من 1988"، ثم يحذّر "ظروف الانفجار مهيأة".
المصدر: أصوات مغاربية