ما الذي يجب أن يحظى بالأولوية: حق المرأة في الاختيار وحرية التصرف في جسدها، ومن ثمة حقها في الإجهاض متى أرادت ذلك، أم حق الجنين في الحياة؟
القانون الجنائي المغربي يجرم الإجهاض، ولا يسمح به سوى في حالة واحدة هي حين يهدد الحمل حياة وصحة الأم.
غير أن مشاورات جمعت لجنة رسمية عُينت بأمر ملكي، شملت كلا من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبل نحو سنتين، خلصت إلى توسيع دائرة الحالات المسموح فيها بالإجهاض.
وهذه الحالات، حسب ما خلصت إليه تلك اللجنة، هي تشكيل الحمل خطورة على حياة الأم، أو الحمل الناتج عن الاغتصاب أو زنا المحارم، أو إصابة الجنين بعيوب وأمراض مستعصية، وهي الحالات التي يرتقب أن يتضمنها القانون الجنائي المنتظر.
الاتفاق على السماح بالإجهاض في الحالات الثلاث المذكورة يأتي بالموازاة مع تسجيل حالات الإجهاض في المغرب أرقاما كبيرة، فهل الحالات الموصى بمنح حق الإجهاض فيها كافية؟
خطر السرية
رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، البروفسور شفيق الشرايبي، يعتبر أن تلك الحالات التي خلصت اللجنة إلى السماح فيها بالإجهاض "ليست كافية"، منبها إلى الخطر الذي يشكله لجوء عدد من النساء إلى الإجهاض السري والتقليدي.
وحسب الشرايبي فإن المستشفيات تستقبل العديد من النساء اللائي يعانين "مضاعفات خطيرة"، وفقه، نتيجة لجوئهن إلى الإجهاض التقليدي، قبل أن يستدرك مؤكدا أنهن حتى إن لم يُجهضن فإنهن قد يتخلين عن أطفالهن بعد الوضع.
في المغرب مثلا الاجهاض مسموح بيه في حالات الاغتصاب وزنا المحارم ومرض الجنين واختلال عقل الام لو ام معاقة ذهنيا مسموح ليها تجهض
— معلش (@fatfuota) 30 septembre 2017
ويرى المتحدث، في توضيحاته لـ"أصوات مغاربية"، ضرورة أن يتم السماح للحامل بإجهاض جنينها إذا كان يهدد صحتها، مؤكدا على ضرورة اعتماد تعريف المنظمة العالمية للصحة لمفهوم الصحة.
الصحة وفق هذا المفهوم، يتابع رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، تعني "الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية".
"هم يرون فقط الصحة البدنية"، يردف الشرايبي معقبا، قبل أن يضيف: "الواقع أن صحة المرأة العقلية أيضا تكون مهددة، إذ قد تصاب بالاكتئاب، وفي حال عجزت عن الإجهاض قد تُقدم على الانتحار".
كما أن صحة المرأة على المستوى الاجتماعي تكون بدورها مهددة "لأنها تتعرض للتهميش وقد تصبح أما عازبة مع كل ما يرافق ذلك من تبعات"، يوضح المتحدث نفسه.
حرية اختيار
الناشطة الحقوقية، ومُؤسِسة حركة "مالي" للدفاع عن الحريات الفردية، ابتسام لشكر، تدافع، من جانبها، عن الحق في الإجهاض لجميع النساء في المغرب.
ولفتت لشكر الانتباه إلى أن النساء اللائي يرغبن في الإجهاض يقمن به في جميع الأحوال ولكن "بسرية" الأمر الذي "يشكل خطرا كبيرا على صحتهن".
لشكر تجدد التأكيد، في تصريحها لـ"أصوات مغاربية"، على موقف حركة "مالي" بخصوص هذه القضية، معتبرة أن الإجهاض السري هو "عنف" في حق النساء، وأن "التشريعات القمعية التي تجرم الإجهاض تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق النساء"، على حد تعبيرها.
وتشدد الناشطة الحقوقية على مبدأ "حرية اختيار النساء في كل ما يتعلق بأجسادهن وحياتهن الجنسية وأمومتهن"، مبرزة أن "مفهوم الاختيار في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية يتجاوز الإجهاض"، وأنه "يعني أيضا الحصول على التربية الجنسية ووسائل منع الحمل".
حق الحياة
رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، عزيزة البقالي، تعبر، من جهتها، عن موقف رافض للترخيص غير المشروط للإجهاض.
تقول البقالي: "نحن ننتصر للحق في الحياة ونأخذ في عين الاعتبار الظروف الخاصة بالمرأة التي ترغب في الإجهاض، لكن مع الحرص على حق الجنين في الحياة لأن قضية الحمل لا تتعلق بحياة واحدة بل بحياتين".
ونبهت البقالي، في تصريحها لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن الإجهاض "ليس رحلة آمنة"، على حد تعبيرها، وأنه لا يشكل خطرا على الجنين فحسب، بل أيضا على المرأة.
رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية تبرر أيضا موقفها باعتبارها أن الإجهاض يخلف "مضاعفات نفسية وعضوية" على المرأة، ولذلك هي تشدد على ضرورة ألا يكون مسموحا به سوى "في الحالات القصوى".
وتتابع المتحدثة، كاشفة موقفها من مسألة الإجهاض، موضحة أنه "لا يمكن متى ما أحست المرأة بالرغبة في عدم الاحتفاظ بالجنين أن تقوم بالإجهاض لأن هذا سيفتح الباب على مصراعيه"، مضيفة: "إذا كنا في منطق الضرورة فيجب أن تؤطر هذه الضرورة بعدة ضوابط حتى تمارس في الوجهة الصحيحة وكحل لإشكالات حقيقية".
المصدر: أصوات مغاربية