يطرق بوابة القرن من الحياة. تُحاول سنوات العمر المتقدّم عبثا إجباره على انحناءات الشيخوخة، رغم أن الزمن يعرف بأن الرجل لا ينحني.
يضع على رأسه طاقية روسية، يمشي بثقة وهدوء، فقد جُبل على السير هادئا طيلة مساره المهني والسياسي.
رمى بمنشفة الوزارة والسلطة والجاه ذات يوم، وتموقع في معسكر المعارضين للسلطة في الجزائر، وطيلة سنوات الاستقلال ظلّ مدافعا عن حرية الرأي والتعبير، مناهضا للتسلط والعنف، داعيا إلى الحوار، إنه عرّاب حقوق الإنسان في الجزائر، المحامي علي يحيى عبد النور.
معلم ومناضل
ولد علي يحيى عبد النور يوم 18 يناير عام 1921، بقرية آيت يحيى ولاية تيزي وزو، بمنطقة القبائل، كان للوضع البائس للجزائريين تحت حكم الفرنسيين، تأثيرا واضحا على توجهات علي يحيى عبد النور الحقوقية والإنسانية.
درس المرحلة الابتدائية في تيزي وزو، ثم انتقل بعدها إلى مدينة المدية، أين أتم دراسته الثانوية، وفي خميس مليانة عمل علي يحيى عبد النور معلما.
"اشتغل مدرسا، وعمل في المحاماة، وكان نقابيا"، هكذا يتذكّر الحقوقي فاروق قسنطيني الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، زميله علي يحيى عبد النور، "لقد كان مناضلا ومحاميا شريفا، يحظى باحترام القضاة وزملائه في المهنة".
الحركة الوطنية
كان علي يحيى عبد النور في خضم التحولات التي هيّأت للثورة في الجزائر، مناضلا في "حزب الشعب الجزائري" بقيادة مصالي الحاج، لكن تداعيات قضية "الأزمة البربرية" عام 1947، التي أدت إلى الفصل في التوجهات الكبرى للحركة الوطنية، دفعت به إلى الانسحاب من النضال في هذه الحركة.
وخلال الثورة التي اندلعت في الجزائر إبان التواجد الفرنسي، استجاب علي يحيى عبد النور، لنداء الإضراب الذي أطلقته جبهة التحرير، وتعرّض نتيجة ذلك إلى الاعتقال من طرف سلطات الاستعمار الفرنسي، ثم أُطلق سراحه عام 1961.
زعيم نقابي ونائب ووزير
بعد الاستقلال تولى علي يحيى عبد النور صاحب النزعة النقابية التحررية، قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ثم انتخب نائبا في المجلس الوطني عن ولاية تيزي وزو، قبل أن ينضم إلى معسكر الحسين آيت أحمد المعارض لنظام أحمد بن بلة.
"علي يحيى عبد النور إنسان مسالم، كان يرفض استعمال العنف، ويدعو دوما للحوار بين طرفي النزاع"، يعلّق المحامي فاروق قسنطيني، الذي يؤكد أن عبد النور "حقوقي يدافع عن خياراته بكل شجاعة، تفرض احترام الآخرين له".
بعد إطاحة العقيد هواري بومدين بالرئيس أحمد بن بلة في 19 يونيو 1965، عُيّن علي يحيى عبد النور وزيرا للأشغال العمومية، ثم وزيرا للفلاحة إلى غاية 1968، قبل أن يستقيل من منصبه.
المحاماة
"أتذكّر يوم جاء ليتسجل في المحاماة، كان ذلك في الثمانينيات، عندما التحق بنا علي يحيى عبد النور"، هكذا يقول فاروق قسنطيني قبل أن يستطرد بالقول: "إنه شريف ونزيه، ناضل من أجل حقوق الإنسان ودافع عن خيارات سياسية وحزبية، نحترم فيه سلميته، وشجاعته".
درس عبد النور المحاماة، وتم توقيفه عام 1983، ثم أطلقت السلطات سراحه عام 1984، وفي السنة الموالية، أسس علي يحيى عبد النور رفقة مجموعة من الحقوقيين، الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان رفقة سعيد سعدي، وأرزقي آيت العربي، التي اعترفت بها الحكومة عام 1989، عقب الانفتاح السياسي.
ضد إلغاء الانتخابات
ناضل علي يحيى عبد النور ضد إلغاء المسار الانتخابي في 11 يناير 1992، الذي أعقبته استقالة الشاذلي بن جديد وحل "جبهة الإسلامية للإنقاذ"، ورافع في حق مؤسسيها عباسي مدني وعلي بن حاج، مثلما رافع بحق علمانيين ويساريين، أمثال سعيد سعدي والهاشمي الشريف.
كما عارض الحكومة إبان فترة التسعينيات، وظل مدافعا عن خيار المصالحة، وعدم الإقصاء السياسي، وتحقيق العدالة.
بينما ساند السلمية لحل الأزمة الدموية في الجزائر، رفقة جبهة القوى الاشتراكية و"حزب جبهة التحرير الوطني" بقيادة عبد الحميد مهري، كما ناضل من أجل رفع حالة الطوارئ في الجزائر، ومن أجل إظهار حقيقة ضحايا الاختفاء القسري.
ويصارع علي يحيى عبد النور في الوقت الراهن المرض لتقدمه في السن وإشرافه على بلوغ 100 عام.
صدر له عام 1996 كتاب بعنوان "الجزائر، أسباب وحماقة حرب"، ثم "كرامة إنسان" عام 2007، و "الأزمة البربرية 1949" عام 2014، وشكل التوقيع على بيان يدعو إلى التكتل ضد السلطة، آخر نشاط له رفقة أحمد طالب الإبراهيمي والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس.
المصدر: أصوات مغاربية