Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

يستيقظن عند الفجر. يتكبدن عناء التنقل في التاكسيات الكبيرة ومخاطر الطوبيسات. يتحملن مشاق العمل خادمات في المنازل. يتجلدن أمام حر مقلاة المسمن والبغرير. يقاسين المشي لمسافات طويلة. ينظفن الشوارع ونظرات المجتمع القاسية تخترقهن. هذه قصص نساء مغربيات معيلات لأسرهن. 

مليكة:  أتحمل السب والشتم 

مليكة، الدار البيضاء
مليكة، الدار البيضاء

​​​​كانت مليكة لا تزال طفلة عندما خرجت للعمل أول مرة. دفعها الفقر للاشتغال خادمة في البيوت، ثم نادلة في المقاهي، إلى أن استقر بها الأمر، في نهاية المطاف، عاملة نظافة تشطب الشوارع وتجمع القمامة. 

سحنة سمراء، بذلة برتقالية، رأس مرفوع وخطوات ثابتة.. هكذا تبدو مليكة وهي تسير في نواحي ثانوية "ليوطي" بالدار البيضاء حيث تبدأ العمل مع السابعة صباحا. ترفع عينيها الغائرتين الحزينتين اللتين غزت محيطهما التجاعيد قبل الأوان. تتنهد قبل أن تبدأ في سرد قصتها: "تطلقت من زوجي منذ أكثر من عشر سنوات، وترك لي طفلا صغيرا يحتاج إلى العناية والاهتمام، ولكن أيضا إلى مصاريف كثيرة كي يعيش"، وتضيف: "اضطررت للعودة إلى العمل بعد أن انقطعت عنه مدة ليست بالطويلة، وبدأت الاشتغال كعاملة نظافة". 

تسترسل مليكة في حديثها لـ "أصوات مغاربية": "منذ أن فتح ابني عينيه على الحياة وحتى الآن، أنفقت عليه وحدي، ودرسته وربيته وداويته دون أن يكون إلى جانبي رجل".

​​ وبالرغم من أن مليكة فخورة بعملها، إلا أنها لا تنفي أن إعالة الأسرة أمر لا يخلو من الصعوبات، وبالتالي فهو يحتاج إلى تعاون الزوجين معا كي يكتمل. تمسح دمعة سارت على خدها وتكمل: "عانيت كثيرا لأستطيع إعالة ابني. تحملت العمل في البرد القارس وتحت الشمس الحارقة، تحملت نظرات الناس القاسية والسب والشتم لأنني أقوم بعمل رجالي". 

حلمها الوحيد اليوم هو أن تحظى بقسط من الراحة في نهاية حياتها. تقول:  "أنتظر بشدة اليوم الذي سيكبر فيه ابني، لأستطيع الارتياح من عبء المسؤولية الملقاة على عاتقي".

إقرأ أيضا: العمل المنزلي: المرأة المغربية تشتغل 7 أضعاف أكثر من الرجل

خديجة: أبيع البغرير ليأكل أطفالي

خديجة، بائعة بغرير معيلة أسرة
خديجة، بائعة بغرير معيلة أسرة

​​​في زحمة سوق "درب السلطان" الضخم بالدار البيضاء، تبدو امرأة نشيطة بجلبابها الأزرق جالسة على كرسي بلاستيكي قصير، وأمامها حفنة "بغرير" مرتبة بعناية. تصيح بصوت مبحوح محاولة جلب الزبائن إلى رغائفها حتى تبيع كل ما لديها قبل نهاية النهار. 

تستيقظ خديجة مع الفجر. تؤدي صلاتها ثم تبدأ في إعداد الرغائف، ولا تنتهي حتى تشرق شمس الصباح. وحين تتأكد أن السوق امتلأ بالناس، تركض حاملة كرسيها البلاستيكي كالعادة في اليد اليمنى وكيسا يحتوي على البغرير في اليد الأخرى. 

تحكي خديجة، البالغة من العمر 47 عاما والأم لثلاثة أبناء، قصتها لـ "أصوات مغاربية": "زوجي ليس رجلا ميسور الحال، فهو لا يعمل إلا نادرا، وهو ما اضطرني إلى العمل لمساعدته على تحمل نفقات البيت، لكنني وجدت نفسي، في النهاية، أتحمل كل شيء لوحدي". 

​​تكمل خديجة حديثها بحرقة: "لم يكن أمامي خيار آخر غير صنع البغرير، فأنا لم أدخل المدرسة يوما ولا أعرف حرفة أخرى، لكنني مع ذلك استطعت تحمل مسؤوليات ومصاريف البيت كلها من طعام وكراء وكهرباء ونقل وأدوات مدرسية للأولاد دون تقصير". 

التعب الجسدي والنفسي من الركض وراء لقمة العيش من الصعوبات التي تواجهها خديجة في حياتها.  تقول: "عندما أفكر في السنين الطويلة التي قضيتها هنا على هذا الكرسي أتعب وأتساءل متى سيأتي فرج الله، ولكنني، مع ذلك ما زلت محافظة على صبري، وسأظل كذلك حتى يكبر أبنائي ويضمنوا مستقبلهم". 

زوهرة: المرأة ليست عالة على الرجل

زوهرة، معيلة أسرتها
زوهرة، معيلة أسرتها

​​​"يقولون إن النساء لا يفعلن شيئا سوى الجلوس وانتظار اللقمة لتصل إلى أفواههن، وكأنهم لا يرون ذلك الكم الهائل من النساء اللواتي يخرجن كل صباح للعمل في أي شيء حتى تعيش أسرهن"، هكذا تعبر زوهرة عن استنكارها من بعض من يعتبرون المرأة عالة على الرجل. 

هذه المرأة ذات 48 ربيعا والأم لثلاثة أبناء، عملت لسنوات خادمة في البيوت، قبل أن تستقر الآن على العمل في تنظيف إحدى المخبزات بحي يعقوب المنصور بالدار البيضاء. تتفانى في عملها وتتحرك كالنحلة وهي تكنس وتمسح وتنظف، بالرغم من معاناتها من إعاقة في رجلها اليمنى، التي زادها الإهمال والشقاء اليومي تدهورا. 

​​تقول لـ "أصوات مغاربية" والابتسامة لا تفارق شفتيها: "أنا فخورة بنفسي وعملي، ولكنني لا أنكر أن العبء ثقيل جدا على كاهلي. أنا المعيلة الوحيدة لأسرتي بما فيها زوجي، فهو لا يعمل إلا من وقت لآخر ولا يهتم إذا ما كان المصروف يكفينا أم لا". 

تكمل دون أن تتوقف عن مسح الزجاج أمامها: "أما أنا فلا أستطيع أن أرى أبنائي يضيعون أمام عيني دون أن أفعل شيئا. كان يجب أن أعمل في أي شيء كي أوفر لهم مصاريف الأدوات المدرسية". 

مثل الكثير من النساء، عندما تنتهي زوهرة من عملها في نهاية اليوم، تدخل إلى المنزل لتجد عملا آخر ينتظرها، فهي تعمل خارج وداخل البيت وحدها دون مساعدة. 

كل ما تتمناه اليوم هو أن يستكمل أبناؤها تحصيلهم الدراسي. تتنهد بعمق وتقول وهي تضحك بسخرية مريرة: "أنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر، حينها سأترك العمل وأقضي نهاري كله في الصالة أمام التلفاز ويكون لي وقت لأصلي في الجامع وأنام بهدوء". 

عزيزة: نحن قوامات أيضا 

عزيزة، الدار البيضاء
عزيزة، الدار البيضاء

​​​لا تختلف قصة عزيزة، 40 عاما وأم لطفل، كثيرا عن سابقاتها، فقد خرجت تبحث عن عمل في المنازل لتستطيع دفع تكاليف شقتها الجديدة في السكن الاقتصادي ومدرسة ابنها ومتطلبات حياتها اليومية. 

"ملي عقلت على راسي وأنا خدامة"، تقول وهي تسرد حكايتها لـ  "أصوات مغاربية" "لكنني عندما تزوجت، اعتقدت أنني سأرتاح قليلا وأتفرغ للاهتمام بابني وبيتي، ولكن الحقيقة المرة كانت خارج توقعاتي، فقد وجدت نفسي أتحمل مسؤوليات الإعالة زيادة على كل هذا". 

إقرأ أيضا: تونسيات يطالبن بالمساواة في الإرث..والمحافظون يرفضون!

تعمل عزيزة طوال أيام الأسبوع بدون راحة، متنقلة بين بيوت ثلاث عائلات مختلفة، ومتحملة زحمة شوارع وطرقات البيضاء، وعندما تنتهي من عملها في المساء، تعود إلى بيتها ليبدأ عمل آخر. 

 "عندما أنتهي من عملي، أدخل لإعداد العشاء وغسل الأواني وتنظيف الملابس وبذلك لا أرتاح إلا عندما أضع رأسي على الوسادة وأنام"، تقول في حديثها لـ "أصوات مغاربية"، وتضيف بابتسامة على ثغرها: "لكنني امرأة قوية وقوامة استطاعت إعالة أسرة لوحدها، والنساء في المغرب مثلي كثيرات جدا". 

 

المصدر: أصوات مغاربية

 

مواضيع ذات صلة