هي قصة تعايش بين المسلمين واليهود، بطلها الحاخام إفرايم بن كاوا في تلمسان، صورة من أهم لوحات التآلف الديني والاجتماعي، الذي جمع سكان مملكة الزيانيين باليهود القادمين من الأندلس، الذين امتد وجودهم إلى ما بعد استقلال الجزائر.
هاجر الحاخام إفراييم بن كاوا، ومعه حكمة الطب، حاملا إياها من شبه الجزيرة الأيبيرية، التي كانت تعيش حربا طاحنة بين الإسبان والمسلمين.
فتح له أهل مراكش أبواب المدينة، التي انتقل منها نحو ميناء حنين إلى تلمسان عاصمة الزيانيين، هو "إفرايم هاقادوش النقاوة"، أو إفراييم بن كاوا، حاخام من عائلة يهودية عاشت في مدينة طليطلة.
وكتب موسى بير، وريتشارد جوتهيل، وإيزيدور سينغر، في الصفحة 437 من الموسوعة اليهودية عن عائلة بن كاوا، أن "أول من ذكر منهم كان يهوذا وصمويل اللذان وقعا ضحية محاكم التفتيش سنة 1200".
الطبيب الفيلسوف
وحسب الموسوعة اليهودية، فإن "الإخوة الثلاثة إبراهيم، ويوسف، وسليمان، عاشوا في القرن 14 للميلاد، ولقوا حتفهم جميعا، الأول اغتيل سنة 1341، والآخران توفيا بالطاعون بعده بسنوات قليلة. استقرت عائلة العنقاوا في شمال افريقيا خلال القرن الـ 15 للميلاد، حيث أصبح أفرداها قادة لمجتمعاتهم. وفي القرنين الـ 16 و17 تواجد العنقاوة في تركيا".
أما الحاخام إفرايم بن كاوا، المولود عام 1359، فيُعرّف في الموسوعة اليهودية ، بأنه "الطبيب والحاخام، والكاتب اللاهوتي، ومؤسس الطائفة اليهودية في تلمسان وشمال أفريقيا، توفي عام 1442، وحسب الأسطورة المتداولة، فإنه فر من محاكم التفتيش الإسبانية وهناك فقد والده وأمه ".
"هو طبيب من دارسي العلوم، درس الفلسفة اليهودية في بلاد الأندلس، فقد كان العلماء يدرسون مختلف العلوم، بتعدّد مواهبهم وإقبالهم على العلم"، يؤكد رئيس منتدى الثقافة الصوفية بتلمسان، الدكتور صاري حكمت، الذي أضاف أن " الحاخام إفراييم بن كاوا "، عُرف بشخصيته المؤثّرة وسط الجالية اليهودية التي وطّنها في بلاد المغرب وتلمسان" .
قصر غابريال..
وعن أسطورة الأسد والثعبان التي رافقت سيرة إفرايم بن كاوا، وفي الصفحة 310 من كتاب "قصر غابريال" الذي يسرد التجارب الصوفية بين الحاخامات، نقرأ أن "القصة تستمر بعد الهروب من السجن حتى وصولهم إلى شمال أفريقيا، حيث يترك الحاخام إفرايم السفينة ويمتطي أسدا في انتظاره مستخدما حية كلجام، وفي مقابل علاجه لبنت السلطان تمكن إفرايم من توطين اليهود في تلمسان''.
ويؤكد الباحث في الثقافة الصوفية حكمت صاري هذه الأسطورة، مشيرا إلى أن السلطان أبو تشفين عرض على الحاخام بعد قدومه في 30 أكتوبر 1394، مقابلا من الذهب والفضة نظير علاج ابنته، وبعدما شفيت، طلب الحاخام توطين الجالية اليهودية المقيمة خارج أسوار المدينة في بلدة أغادير، فوافق السلطان، وأعلن حمايته لليهود الذين استقروا على بعد أمتار قليلة من القصر، وأقاموا الحي اليهودي، والمعبد الموجود لحد الآن بمدينة تلمسان".
كان ظمآنا..
تحفل روايات تاريخ اليهود بتفاصيل قدوم الحاخام بن كاوا إلى تلمسان، وتتطرق الصفحة 168، من موسوعة الحج ، إلى فصل من حياة إفرايم بن كاوا، وتذكر أنه "حاخام من القرن الخامس عشر، توفي عام 1442، خلدته أنشطته وكان ضريحه مقصدا للحجاج على مدى القرون، حتى أصبحت تلمسان في شمال غرب الجزائر اليوم، تسمى قدس الجزائر".
"هرب بن كاوا من إسبانيا بسبب اضطهاد اليهود المتزايد في شبه الجزيرة الأيبيرية، وكان وصول بن كاوا إلى تلمسان حافلا بالمعجزات، منها أن وصوله كان قرب غروب الشمس يوم السبت، وكان ظمآنا. كما كان موسى في سيناء".
ويؤكد الباحث حكمت صاري على أن "اليهود عاشوا تحت حماية سلطان تلمسان ، ولم يتعرضوا لأي اضطهاد، بل ازدهرت تجارتهم، وحرفهم اليدوية، وتعايش المسلمون معهم في المدينة وخارج أسوارها، والحاخام بن كاوااستقطب زوار قبره من كل بقاع العالم، في السبعينيات والعشرية الماضية".
الحج
تحولت منطقة قباسة التي كانت ضمن النطاق الجغرافي للمدخل التاريخي لمدينة تلمسان، إلى مقصد الحجاج اليهود من بلدان عدة، يزورون ضريح الحاخام إفرايم بن كاوا، الموجود على بعد أمتار من المقبرة اليهودية التي تضم قبور المئات من أفراد الجالية اليهودية بتلمسان، كما تضم 36 قبرا لجنود فرنسيين دفنوا خلال النصف الأول من القرن الماضي، وقد توقفت زيارات الحج بشكل رسمي منذ 2005.
وتحرص السلطات الجزائرية على أن تبقى المقبرة اليهودية والضريح تحت حماية رسمية، كونها جزء من تاريخ مدينة تلمسان والجزائر، التي تعايشت مع مختلف الوافدين بدياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
المصدر: أصوات مغاربية