بعدما كانت الأم أو الخالة أو حتى الجارة تقوم بدور "الخاطبة" وتبحث عن الشريك المناسب الذي قد لا يلتقيه الشخص المعني قبل ليلة الزفاف، تطورت الأمور فأصبح المعنيان يتكفلان بتلك المهمة ويختاران لنفسيهما شريكا يلتقيانه ويتعرفان عليه عن قرب قبل اتخاذ قرار الارتباط.
بمرور الوقت عرفت تلك الطرق تطورا كبيرا، فمع ثورة الإنترنت أصبح الكثيرون يلجؤون إلى مواقع، سواء متخصصة في الزواج أو خاصة بالتعارف، قبل أن تتم العودة إلى الأسلوب القديم، ولكن بشكل حديث، عبر مكاتب تقوم بالوساطة بين الباحثين عن شركاء الحياة.
مؤسسة للبحث عن الشريك
مقابل اشتراكات سنوية تتراوح قيمتها بين 250 دولارا و700 دولار، تعرض مؤسسة يوجد مقرها في مدينة الدار البيضاء المغربية، خدماتها في الوساطة في البحث عن شريك الحياة.
مؤسس هذه المؤسسة ومستشارها القانوني، حكيم عالم آسا، يوضح في تصريحه لـ"أصوات مغاربية" أن فكرة المشروع جاءت إثر قيامهم بدراسات رفقة باحثين سوسيولوجيين والتي أظهرت أن "هناك تغيرات في منظومة العلاقات الاجتماعية".
ويتابع المتحدث موضحا أن الإشكال الذي يعيق الزواج يتمثل، من جهة، في "العزوف"، ومن جهة ثانية في "عدم توفر مكان حيث يمكن أن يلتقي الباحثون عن الزواج"، مشيرا إلى أنهم قاموا بزيارة إلى ماليزيا حيث اكتشفوا هناك مجموعة من الوكالات التي تشتغل في هذا المجال.
"أخذنا الفكرة وأقلمناها مع الثقافة والتقاليد المغربية"، يقول عالم آسا مبرزا أن المؤسسة تعمل على البحث عن شركاء الحياة لمنخرطيها استنادا إلى المعطيات التي يتوفرون عليها والتي على أساسها يدرسون درجة التوافق بين كل ثنائي قبل أن يعرضوا عليه الالتقاء.
زواج بالوساطة
حسب مدير وكالة الوساطة في الزواج، حكيم عالم آسا، فإن الراغب في الانخراط يتقدم بطلب ويجرون معه لقاء أوليا قبل قبول انخراطه، بعدها يملأ استمارة للانخراط في برنامج البحث عن الشريك ويؤدي مبلغ الاشتراك السنوي.
هناك ثلاثة اشتراكات متاحة، الأول مقابل مبلغ 2500 درهم والثاني مقابل 4000 درهم والثالث مقابل 7000 درهم، وحسب المتحدث فإن أقل اشتراك يتيح أربع خدمات هي البحث عن الشريك والحصول على استشارة من "كوتش" (مدرب تنمية بشرية)، واستشارة خبير قانوني، بالإضافة إلى العقد القانوني الذي يجمع المنخرط بالمؤسسة.
"نجحنا حتى الآن في الوساطة في 50 زيجة منذ انطلاق المؤسسة بداية العام الجاري"، يبرز المتحدث.
شروطها وشروطه
"معقول، شكل مقبول، وضع اجتماعي ومستوى ثقافي جيد"، هذه بعض الشروط التي يضعها أغلبية الباحثين عن شركاء من الجنسين، حسب ما يوضحه عالم آسا مبرزا أيضا حضور الجانب المادي في تلك الشروط.
"بعض الرجال يبحثون عن زوجة يمكن أن تساعدهم في الأعباء المادية"، يقول عالم آسا قبل أن يردف مؤكدا أن هذا الشرط لا يعتبر ضروريا ولكنه "أحد الشروط المطلوبة".
تطور "طبيعي"
اشتراك، شروط، دراسة، توافق... هل يعني كل ذلك أن مسار اختيار شريك الحياة في المغرب لم تعد كما كانت عليه في السابق؟ وهل صار المغاربة يعانون من أزمة زواج حتى يلجؤا إلى خدمات مؤسسات متخصصة في البحث عن شركاء الحياة؟
الباحث في علم الاجتماع، علي شعباني، يوضح أن "هذا الأمر طبيعي" لأنه، حسب رأيه، "جاء مع التطورات التي تعرفها المجتمعات الراهنة".
ويتابع المتحدث موضحا، في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، أن "القنوات التقليدية للزواج كانت تعتمد على العائلة والمعارف"، كما أن "آراء الأزواج حينها لم تكن في الغالب تؤخذ في عين الاعتبار".
بعد ذلك، يقول شعباني، "ظهرت الخاطبة وهي امرأة متخصصة في البحث" مبرزا أن ظهورها جاء في ظل "تقلص فرص اللقاء وتوسع المدينة".
ومع أن ظروف الالتقاء اليوم متوفرة أكثر من السابق، وذلك بفعل الاختلاط في فضاءات الدراسة والعمل والحياة العامة، إلا أن المتحدث يوضح أن ذلك لم يسهل فرص العثور عن شريك الحياة.
"أصبح الزواج صعبا وصرنا اليوم نتحدث عن تأخر في الزواج"، يقول شعباني، مبرزا أنه وفي ظل تلك الظروف "كان لا بد من ظهور قنوات أخرى تساعد على الوصول إلى هذه الغاية والبحث عن الزوج أو الزوجة المناسبة"، مشيرا إلى أنه في البداية "ظهرت الإعلانات عن طريق الصحف والمجلات قبل أن يدخل الانترنت على الخط لتظهر بعد ذلك وكالات تقدم بدورها خدماتها في هذا الإطار".
اقرأ أيضا: الرجل 'عازب' والمرأة 'عانس'.. لماذا هذا التمييز؟
المصدر: أصوات مغاربية