"الإسلام دين الدولة"، هذا ما ينص عليه الفصل الثالث من الدستور المغربي، عبارة يختلف الكثيرون في تأويلها، بين من يرى أنها مقتضى يحدد فقط دين الأغلبية في المغرب دون أن يقصي باقي الأقليات الدينية، وبين من يرى فيه مدخلا لـ"اضطهاد" الأقليات الدينية وعدم اعتراف بالحق في حرية المعتقد.
فماذا يعني أن "الإسلام دين الدولة"؟ وهل يمكن اعتبار المغرب انطلاقا من ذلك التنصيص دولة دينية؟ وهل في تنصيص الدستور على الإسلام دينا للدولة إقصاء للمغاربة من معتنقي باقي الديانات؟
اقرأ أيضا: بسبب العقيدة.. هل يمارس المغرب 'التمييز' ضد الأقليات؟
هل التنصيص يعني أن الدولة دينية؟
الباحث والناشط الحقوقي، أحمد عصيد، يجيب على هذا السؤال بالقول إنه من "الخطأ" اعتبار المقصود من التنصيص على دين الدولة أن "الدولة دينية"، مستدلا على ذلك بكون "الكثير من الدول العلمانية القوية والمزدهرة مثل النرويج والدانمارك وغيرها لديها في دساتيرها دين رسمي".
وحسب عصيد فإن "هذا الدين الرسمي هو انتماء رمزي" ولا يعني اعتماد الدين "كمصدر للتشريع أو للقوانين أو لضبط المجتمع ومراقبته" وبالتالي "لا يعني أن الدولة دينية".
في السياق نفسه يوضح عصيد أن تنصيص الدستور المغربي على كون الإسلام دين الدولة يعني أن "غالبية المغاربة مسلمين ولا يعني أن الدولة مسلمة" كما أنه "لا يعني أن الدولة تستلهم قوانينها من الدين لأن القوانين التي تعمل بها الدولة هي قوانين وضعية حديثة" يقول عصيد الذي يستثني في هذا السياق "مجالا صغيرا" على حد تعبيره، هو المجال الذي يتعلق بالأحوال الشخصية.
"نحن في المغرب نعيش سياق الانتقال نحو الديمقراطية والتنصيص على دين الدولة لا يعني أبدا العودة إلى الوراء بل هو فقط أمر يتعلق بأن الدين موجود في المجتمع وأن غالبية المغاربة مسلمون" يقول عصيد الذي يجدد التأكيد على أن ذلك التنصيص "لا يعني من الناحية القانونية اعتماد الدين مصدرا لوضع القوانين أو للتشريع".
بدوره يرى الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، أن "الإسلام دين الدولة"، تعني بأن "غالبية السكان من المسلمين" كما تعني أن "الإسلام هو أحد مصادر التشريع بالنسبة للدولة".
وفي الوقت الذي يرى البعض أن معظم القوانين تختلف عن الشريعة رغم تنصيص الدستور على دين الدولة، يتساءل الكنبوري "من قال بأن ما هو وضعي مناقض لما هو تشريعي؟" قبل أن يضيف موضحا بأن "الانتقال من الشريعة إلى القانون يتطلب تقعيد قوانين معينة".
فالشريعة، حسب المتحدث، "واسعة"، مشيرا في هذا الإطار إلى الاختلافات التي قد توجد بين مذاهب الدين الواحد وأحيانا حتى في المذهب الواحد، مبرزا أن "القانون يقعد ويدقق الأمور ويخرجنا من التعدد الموجود في الشريعة".
وعلاقة بمن يشيرون إلى غياب الحدود في القانون، فيبرز الكنبوري أن "العلماء يقولون إن بعض الحدود يمكن أن تخضع للتغيير والتعديل حسب الظروف والعصر".
ويتابع موضحا أن الهدف من التشريع أهم من شكله، مشيرا كنموذج إلى حد قطع اليد بالنسبة للسارق "فالهدف ليس قطع يد السارق بل منع السرقة وإعطاء العبرة" يقول الكنبوري الذي يرى أنه "كلما تطورت هذه الأحكام كلما كان ذلك أفضل للعصر والمجتمع".
اقرأ أيضا: ممثل الأحمدية بالمغرب: عددنا 675 ونؤمن بالنبي أحمد ميرزا
هل اختيار الإسلام دينا للدولة يقصي الأقليات؟
الغالبية مسلمون، هذا هو المعنى الذي تشترك فيه التفسيرات السابقة لعبارة "الإسلام دين الدولة"، هذا الأمر قد يعني للبعض أن هناك اعترافا ضمنيا بوجود أقلية غير مسلمة، في حين قد يعني لآخرين بأن فيه "إقصاء" لغير المسلمين.
الكنبوري يرى بأن ذلك التنصيص "لا يعني إقصاء الآخرين بل بالعكس"، ويفسر ذلك بالقول إن "الإسلام في حد ذاته يضمن حرية التعبد للآخرين".
ويتابع الكنبوري موضحا أن "الأصل في الإسلام احترام الآخرين، وحين تنص على أن الإسلام دين الدولة معناه أن الدولة تحترم الاتجاهات الأخرى".
إلى جانب ما سبق يرى الكنبوري أن "النظام السياسي في البلاد ومؤسسة إمارة المؤمنين فيها احترام لجميع الديانات"، ذلك أن "الملك هو أمير المؤمنين المغاربة يهودا ومسلمين ونصارى لا فرق بينهم والمواطنة هي المشترك بين الجميع" يقول الباحث المغربي.
خلافا لذلك يرى الناشط الحقوقي، ومؤسس مجلة "أقليات"، طارق ناجي بأن الدولة المغربية "تقر" من خلال الفصل الذي يقول بأن "الإسلام دين الدولة" بأن "الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وبأن باقي الأديان لا وجود ولا مكان لها في نظام الدولة رسميا".
ويتابع المتحدث تصريحه لـ"أصوات مغاربية" موضحا أن "الدولة كيان سياسي والكيانات أو الدول لا يستقيم أن تعتنق الأديان بل الأشخاص الذين يعتنقون الأديان" مضيفا أن "الدين مسألة شخصية والدولة يجب أن تلتزم بمبدأ الحياد تجاه جميع الأديان".
اقرأ أيضا: أكبر خمس أقليات في المنطقة المغاربية
وحسب ناجي فـ"حين تتبنى الدولة دينا رسميا لها فهي تنحاز لهذا الدين وتطبقه من خلال مناهجها الدراسية وباقي قنوات التنشئة"، مشيرا في السياق إلى تدريس مادة التربية الإسلامية، إذ يؤكد أنه "لو كانت الدولة تلتزم بمبدأ الحياد بالنسبة لجميع الأديان ما كانت لتكون تلك المادة من الأصل".
من ثمة يوضح المتحدث موقفه بالتأكيد على أن "الفصل الثالث من الدستور يكرس الاضطهاد الحاصل في المغرب ضد الأقليات الدينية وباقي الاشخاص ممن لا دين لهم ".
المصدر: أصوات مغاربية