ابتسام لشكر، ناشطة حقوقية مثيرة للجدل، هي مؤسسة الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية المعروفة اختصارا بـ"مالي"، والتي اشتهرت باعتمادها أساليب احتجاجية يعتبرها البعض "مستفزة" وآخرون "قوية".
في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية"، تتحدث لشكر عن الخطوة التي قاموا بها مؤخرا في إطار تخليد اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء والتي أغضبت سلطات العاصمة الرباط، بسبب اعتمادهم أساليب احتجاجية مثيرة للجدل، وضعية الأقليات الدينية والجنسية في المغرب، موقفها من حراك الريف، وغيرها من المواضيع.
هذا نص المقابلة:
قمتم الأسبوع الماضي بتخليد اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء بصب صبغة حمراء في نافورات العاصمة، وقد خرجت سلطات المدينة إثر ذلك ببلاغ يتهمكم بتلويث مياه النافورات ويعلن فتح بحث في الموضوع. ما هو تعليقك؟
أولا نحن حين نقرر الاحتجاج بطريقة معينة فإن ذلك لا يتم هكذا بشكل عشوائي، نحن نفكر ونحضر للأمر جيدا قبل القيام به.. وبالنسبة للحركة التي اعتمدناها في ذلك اليوم، فهي حركة معروفة، وللإشارة فقد اعتُمدت شهر أكتوبر المنصرم، في فرنسا، حيث تم صب الصباغة الحمراء في 15 نافورة بباريس لتسليط الضوء على "طابو" العادة الشهرية.
كما أسلفت، كل خطوة نقرر القيام بها نفكر فيها جيدا ونشتغل ونحضر لها، ومما اشتغلنا عليه في الحركة الأخيرة نوع الصباغة التي سنصبها في النافورات، طبعا نحن نعلم بأن الصباغة الكيماوية العادية ستلوثها، لقد فكرنا في الأطفال الذين يلعبون في النافورات والذين قد يشربون من مائها، كما فكرنا في الحمام الموجود بالقرب من النافورات، لذلك وللتوضيح، نحن استعملنا الصباغة الغذائية.
قمنا بتلك الحركة لإيصال رسالة مفادها بأن هناك عنف ضد النساء في المغرب، ونحن نقصد جميع أشكال العنف، بما في ذلك العنف القانوني الذي تجسده قوانين ذكورية وعدالة أبوية.
وقد اخترنا اللون الأحمر لأنه أكثر لون يعبر عن العنف، فهو لون الدم، الدم الذي يقترن بالكثير من أشكال العنف، كالضرب والإجهاض السري وغيرهما.
كثيرا ما تعتمدون أساليب احتجاجية يصفها البعض بـ"المستفزة"، فقد سبق لكم مثلا الإفطار علنا في رمضان، والاحتجاج بتبادل القبل في الشارع، لماذا تعتمدون هذه الأساليب؟
لو لم نكن نعتمد هذه الأساليب الاحتجاجية ما كانت الحركة لتحمل اسم "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية"، وأسطر هنا على كلمة البديلة. فنحن حين أسسنا الحركة سنة 2009، اخترنا الخروج من أشكال الاحتجاج الكلاسيكية التي تعتمدها باقي الجمعيات لأننا إن كنا سنخوض مثل تلك الأشكال الاحتجاجية فلن يكون هناك داع لتكون "مالي" من الأساس.
الحركة هي حركة بديلة وهي الوحيدة في المغرب التي تعتمد أسلوب العصيان المدني في الاحتجاج، وهو أسلوب معروف ومعتمد في العالم منذ سنوات طويلة.
هل هذا يعني أنكم ترون أن الأساليب الاحتجاجية التي تعتمدها باقي الجمعيات غير فعالة؟
نحن لسنا ضدها، ولكن نعتبرها طرقا احتجاجية كلاسيكية وعادية، فقد ينظمون وقفة أو مظاهرة أو ندوة وحتى توجيه مذكرات ترافعية إلى الحكومة، وهذا جيد.
أنا ما أريد أن أقوله لهذه الجمعيات هو أننا في حاجة إليها وإلى عملها، ولكن هم أيضا يجب أن يعترفوا أنهم في حاجة إلى أساليبنا، لأنهم مثلا حين ينظمون وقفة أو ندوة، لا يعلم بها أحد، بالأحرى لا يتجاوز صداها المناضلين والمناضلات والفئة التي يمكن وصفها بـ"النخبة"، بينما نحن من خلال الأساليب التي نعتمدها الكل يعرف بالأمر والرسالة تصل إلى الجميع.
طيب ماذا حققتم بهذه الأساليب الاحتجاجية الخارجة عن المألوف؟
يكفي أن أقول إنه قد فتح النقاش في العديد من المواضيع التي لم يكن يتحدث عنها أحد في السابق، وصرنا نرى اليوم جمعيات تتبنى هذه النقاشات.
فمثلا منذ متى كان هناك نقاش سواء في الصحافة أو الرأي العام أو الجمعيات عن حرية المعتقد؟ وأنا حين أقول هنا نقاش لا أقصد نقاشا موسميا بل نقاشا حقيقيا ومستمرا.
ومنذ متى كان هناك نقاش حول الحريات الفردية؟ هذه الكلمة التي أصبحنا منذ 2009 نسمعها دائما وفي كل مكان، حتى إن الملك قالها في خطاب له عام 2011...
ولكن لقد مرت ثمان سنوات منذ تأسيس الحركة، بغض النظر عن النقاش ما الذي حققته عمليا؟
نعم ثمان سنوات، ولكن هل تعتقدين أنها مدة كافية؟
جميع البلدان التي حققت منجزات في هذا السياق لم تحققها خلال ثمان سنوات، فالمثلية مثلا كانت إلى وقت قريب جريمة في فرنسا، وقد ظلت الجمعيات تعمل لمدة طويلة قبل أن يتم رفع صفة التجريم عنها.
كل هذا يتم التأسيس له بالنقاش، ونحن بدأنا عام 2009، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعمل على مستويين، العقليات والقوانين، وإلى جانب الحركات الاحتجاجية التي نقوم بها نقوم أيضا بما يسمى بـ"التربية الشعبية"، بحيث نتوجه إلى الناس في أماكن مختلفة ونفتح معهم النقاش بلغة بسيطة يفهمونها حول كل تلك المواضيع، قد لا يتقبلون الأمر في البداية ولكنهم لاحقا يفهمون.
من بين الحقوق التي تدافع عنها الحركة، حقوق الأقليات الدينية والجنسية...
(مقاطعة) للتوضيح نحن ندافع عن جميع حقوق الإنسان ولكن لأننا كنا أول من تطرق إلى هذه الحقوق والحريات التي تدخل في خانة "الطابو" صار الناس يربطون "مالي" أكثر بالأقليات.
للتوضيح أكثر، أنا متخصصة في حقوق الإنسان والحركة حركة حقوقية، وحين ندافع عن حقوق الإنسان فالمقصود جميع حقوق الإنسان لأننا حركة كونية، وفي هذا السياق نحن لا نرى معنى لما يقال عن وجود خصوصية في هذا المجال، لذلك ما نؤاخذه على الجمعيات الأخرى أنها كثيرا ما تتحدث عن خصوصيات معينة وتقوم بالربط الثقافي في هذا المجال ويطرح أتباعها الحلال والحرام، بينما نحن لا ندافع عن حقوق إنسان "حلال" لأنه لا توجد حقوق إنسان "حلال" وحقوق إنسان "حرام".
حقوق الإنسان كونية لذلك يجب أن تكون متساوية للجميع في كل مكان، فهي لا تعرف لا دين ولا لون ولا نوع ولا جغرافيا...
طيب، انطلاقا من عملك وتواصلك مع الأقليات الدينية والجنسية، كيف ترين حياتهم في المغرب؟
نعم أنا أتواصل معهم ليس فقط كناشطة حقوقية ولكن أيضا على اعتبار أنني اختصاصية في علم النفس العيادي والمرضي، وما يمكن قوله أن هناك مشكلا كبيرا.
الأقليات سواء الدينية أو الجنسية في المغرب تعاني العنف والتمييز، فقد يتعرضون للطرد من الدراسة أو من العمل أو حتى من وسط العائلة، ولذلك فكثير من الشباب يعانون.
بالنسبة للأشخاص الأكبر سنا فقد تعودوا على إخفاء الأمر والنفاق، ولكن هؤلاء الشباب لا يريدون ذلك كما لا يستطيعون ذلك، هناك من حاولوا وفي الأخير انفجروا وقالوا كل شيء، وفي المحصلة حياتهم تضيع لأنهم يتعرضون للطرد والنبذ والتهديد.
عدد كبير، كبير جدا من الشباب مشردون في الشوارع، نحن لسنا جمعية لنتمكن من إيوائهم، ولكننا مع ذلك نقوم بما نستطيع، قد نستقبلهم في منازلنا أو نبحث عن أصدقاء لإيوائهم، ولكن إلى متى؟ شهر أو شهرين؟ هذا ليس حلا، الحل هو أن يفتح نقاش أوسع حول هذا الموضوع ونجد حلولا، وهذا يتطلب عملا كبيرا على مستويين، العقليات و القانون.
أنت شخصيا، لا دينية، ولم تترددي في إعلان ذلك
نعم أنا لادينية، أنا ملحدة لا أؤمن لا بديانات ولا بالله.
من منطلق كونك لادينية، هل ترين أن اللادينية تعني الاصطدام مع المتدينين، بغض النظر عن دينهم؟
في حركتنا التي هي حركة علمانية هناك كثير من الأشخاص الذين يدينون بديانات مختلفة، هناك المسيحي والمسلم والبوذي واليهودي واللاديني وحتى "اللاأدري"...ما نقوله أن الدين هو مسألة شخصية ويجب أن يبقى كذلك، وهذا ما نطالب به، لأننا في المغرب لدينا ديكتاتورية دينية، وهذا هو المشكل.
فمثلا أنا لا دينية ولكن لا أذهب لأفرض هذا الأمر على الآخرين، هذه حقيقتي أنا (...) وفي المقابل الدولة تفرض علي أن أكون مسلمة وأن أتبع كل الممارسات المرتبطة بالإسلام من قبيل الزواج الديني وعقوبة الإفطار العلني في رمضان...
سبق أن صرحت بأنك تمارسين حريتك الجنسية رغم أنك غير متزوجة، هل تمارسين هذه الحرية في المغرب؟
نعم وأنا لست الوحيدة. الكثير من الناس في المجتمع يقومون بذلك، ولكن المجتمع منافق، والنفاق الاجتماعي هو المشكل، والمشكل أيضا أن المناضلين والمناضلات الذين يدافعون عن الحقوق والحريات لن يجرؤوا على أن يقولوا مثلا إنهم هم أيضا يمارسون الجنس، وإذا كان هؤلاء المناضلون والمناضلات الذين يعول عليهم لتغيير الواقع بأنفسهم لا يقدرون على الإفصاح عن الأمر، فماذا سننتظر من الشعب؟
هل سبق أن تعرضت لتهديد صريح بسبب مواقفك؟
طبعا. دائما، خصوصا التحرش الإلكتروني الذي نتعرض له بالخصوص حين نكون نساء، أيضا أتعرض في الشارع للتهديد والسب ووقع لي مرة أنهم حاولوا ضربي، بالإضافة إلى التعليقات والرسائل التي أتوصل بها، ولكن كل هذا لا يعني لي شيئا في مقابل نضالي لأن القضايا التي أدافع عنها أهم من تلك التهديدات.
أخيرا، عبرت عن مساندتك للمعتقل المرتضى إعمراشا، عقب الحكم بسجنه خمس سنوات نافذة، ما موقفك من حراك الريف؟
هناك الكثير من الظلم، وأنا طبعا مع الحراك ومع مطالب الحراك التي هي مطالب اجتماعية.
يجب أن نتحرك أكثر، فللأسف رغم كل ما يظهر أرى أنه لا يوجد تضامن كاف مع نشطاء الحراك، وبالنسبة للمرتضى، فهو يدافع عن الحريات الفردية وعن حقوق الإنسان، جميع حقوق الإنسان، بمعنى أنه لا يأخذ جزءا ويترك آخر، ولذلك أنا تضامنت معه.
المصدر: أصوات مغاربية