الساعة تقترب من منتصف الليل. بعد ساعات ينقشع ظلام الليل ليترك مكانه لظلمة من نوع آخر. تقل حركة المشردين الذين يأوون إلى زوايا الشوارع متلحفين السماء ومفترشين الإسفلت.
نوم على الرصيف
في زاوية مظلمة قرب مسجد بأحد أحياء مدينة سلا، المحاذية للعاصمة الرباط، تصل إلى الآذان حركة خفيفة يصدرها شخص متكئ على جنبه الأيمن. مع الاقتراب منه يحس بارتباك واضح يترجم توجسا دائما من مخاطر حياة الليل بالشارع.
"قدمت من مدينة فاس هاربا من كل شيء، فاقدا للبوصلة والإحساس بالمكان، فوجدت نفسي بمدينة سلا، في هذه الزاوية بالضبط.. في الصباح أتسكع بحثا عن الطعام، وأعود ليلا من أجل النوم".. هكذا يلخص ياسين حياته وهو يستعد لتناول بضع لقمات من عشاء تبرعت به إحدى الجمعيات.
يفترش ياسين بساطا مهترئا نال منه صقيع فصول الشتاء المتعاقبة، ويلتحف آخر يحاول من خلاله مداراة البرد، فيما وسادته ليس إلا كيسا يحمل ملابسه، التي يسمح له المسؤولون عن المسجد بتنظيفها عندهم بين الفينة والأخرى.
ياسين واحد من 7 آلاف و226 مغربي بدون مأوى، وفقا لأرقام صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، في آخر إحصاء للسكان قامت به سنة 2014، والذي أثبت أن أغلب المتشردين بالمغرب رجال، بنسبة 86 بالمئة، مقابل أزيد من 13 بالمئة من النساء اللائي يعشن بدون مأوى ثابت.
أرخى الليل مزيدا من سواده مفرجا عن نسائم أشد برودة. بدأ عبد السلام يعد مكان نومه عند زاوية محل تجاري بأحد شوارع مدينة سلا، بمجرد إغلاق صاحب المتجر له.
يتحرر هذا الشاب، الذي دخل عقده الثالث، قليلا من صمته، ويكشف جانبا من بؤس الحياة التي يعيشها، كما يقول.
"عن أي نوم تتحدث؟!.. لا يمكن أن نسميه نوما، أُغمض جفنا وأترك الآخر مفتوحا ترقبا لأي شيء، حتى القطط أو الكلاب الضالة"، يقول عبد السلام بتذمر.
واجه عبد السلام مشاكل مع العائلة، بيد أن يتجاوز الحديث عن تفاصيل مشاكله قائلا إنه يعيش مرتاحا في زاويته أمام المتجر.
على بعد خطوات من عبد السلام، مشرد آخر يدعى سعيد، يتخذ مكانا له بالشارع محتميا بغطاء رصيف مقهى يرابط قربه طيلة النهار.
"أعيش الحياة التي أريد رغم كونها حياة شارع، لكن سأعود يوما إلى بيتي الذي تركته في مدينة تازة، لا يهمني البرد أو الليل أو أي شيء، المهم أنني في المكان الذي اخترته"، يقول سعيد.
بصيص أمل
في تلك الليلة، كان مجموعة من الشباب ينتمون لجمعية "أصدقاء المجتمع للتضامن والتنمية" بمدينة سلا، يجوبون شوارع المدينة بحثا عن مشردين من أجل منحهم عشاء ساخنا، إضافة إلى لوازم وأغطية.
يبدأ استعداد هؤلاء المتطوعين لعملهم الليلي قبل ساعات من منتصف الليل، إذ يجتمعون في منزل أحدهم، حيث يتم تحضير علب الطعام وبعض الفواكه بعناية، قبل أن يركب الجميع سيارة خاصة، لتبدأ رحلة ليلية عبر دروب وأزقة المدينة النائمة.
"بدأنا هذه المبادرة قبل 3 سنوات، لم تكن الجمعية حينها قد تأسست بعد، كانت فقط صفحة على فيسبوك، نعمل من خلالها على تنظيم خرجات شهرية إلى النقاط التي يستقر فيها المشردون"، يقول عادل، عضو الجمعية.
"كيف نعرف النقاط التي يوجد بها المشردون؟.. مواقع التواصل الاجتماعي هي التي تدلنا، إذ يقوم متابعو صفحة الجمعية بالإبلاغ عن الأماكن التي يصادفون بها هؤلاء، وبعد أن نتأكد من ذلك ننتقل إلى المكان المعني خلال الخرجات المبرمجة بطريقة دورية"، يشرح عادل طريقة عمل جمعيته.
يضيف عادل أنه اكتشف، خلال تخصيصه وقته لمساعدة مشردي شوارع مدينة سلا، أن عددا من هؤلاء أساتذة وطلبة.. أشخاص دفعتهم دروب الحياة إلى اتخاذ الشارع مأوى.
المصدر: أصوات مغاربية