عنابة، مهاجرة كاميرونية
عنابة، مهاجرة كاميرونية

"عندما وصلت إلينا كانت في وضعية صعبة.. حامل منهكة ومُرهقة جدا بعد رحلة العبور الطويلة نحو المغرب، لم يكن حالها أحسن من باقي المهاجرات"، هكذا وصلت عنابة، شابة كاميرونية قادها القدر إلى المغرب.

​​عنابة، واحدة من ضمن عشرات النساء اللواتي وصلن إلى المغرب عبر طرق برية خطرة. غادرت بلادها بعد ما رفضت البقاء هناك لظروف شخصية لم ترد الإفصاح عنها. رحلتها الشاقة أوصلتها منذ 4 سنوات إلى تطوان شمال المغرب، حيث رزقت بطفلين وحياة صعبة وبضع أحلام تبقت من عناء السفر الطويل.

​​​"لا مال.. لا استقبال"

"فترة الحمل صعبة، تلتها ولادة أصعب بكثير.. المستشفيات العمومية لم تقبل بي، أخبروني أنه إذا لم يكن معي مال فلا مكان لي هناك"، تقول عنابة، بكلمات فرنسية متثاقلة ومتعثرة، لكنها صادمة.

شرين الحبنوني، مسؤولة بجمعية "الأيادي المتضامنة" التي استقبلت عنابة بمدينة تطوان، تقول: "في البداية كانت مثل جل المهاجرات اللواتي يعشن ظروفا صعبة، ثم بدأت تتعلم الدارجة المغربية في الجمعية لكي تتواصل. خلال هذه المدة كنا نتابع معها فترة الحمل".

تمييز عنصري؟

​​

​لا تتذكر عنابة كيف وصلت إلى المستشفى الجهوي بتطوان، إلا أن أبرز ما بقي عالقا في ذاكرتها هو تعرضها لما تقول إنه "فعل عنصري".

"قمت بمجاراة المخاض وحيدة.. كنت أصرخ في الغرفة دون أن يأتي أحد لمساعدتي.. تخيّل، أنهم رفضوا لمس أبنائي، فقط لأن بشرتهم سوداء".

ما حصل مع عنابة، "لا يمكن البناء عليه ومن تم الحكم على المنظومة برمتها، فقد تكون حالات معزولة صادرة عن أشخاص وليس مؤسسات"، حسب مدير الرصد وحماية حقوق الإنسان بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبد الرفيع حمضي، الذي أكد صعوبة تعميم "شكاية فردية بشأن التمييز العنصري".

وأشار حمضي، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، إلى "كون صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية بالمغرب أمر لا يسلم منه حتى المغاربة"، مؤكدا في الوقت ذاته أن المغرب يواصل جهوده من أجل تحسين وضعية عيش المهاجرين الأفارقة. 

​​​تقصير حكومي

ضمن التوصيات الصادرة في تقرير برنامج "تمكين المهاجرين"، الذي موله الاتحاد الأوروبي بشراكة مع جمعيات مغربية وفرنسية وإسبانية، أدرج المشرفون على المشروع نقاطا أساسية تعطي الأسبقية لأطفال المهاجرين بطريقة غير نظامية في الحصول على الأوراق الثبوتية لكافة الأسرة، مراعاة لمصالح الطفل.

لكن الفاعل الجمعوي في مجال بالهجرة، يوسف حجي، ينتقد تعامل الحكومات المغربية المتعاقبة مع ملف المهاجرين، وخاصة فئة النساء الحوامل والأطفال.

ويرى أن هناك تقصيرا من طرف المسؤولين على مستوى ضمان حقوق هذه الفئات، رغم توقيع المغرب على اتفاقية دولية بهذا الخصوص.

ويضيف حجي، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، أن توقيع المغرب على الاتفاق الدولي لحقوق المهاجر وأسرته، كان خطوة إيجابية، لكونه كان سباقا إلى ذلك قبل دول مثل فرنسا. لكن بالمقابل، لم يتم تنزيل ما تنص عليه هذه الاتفاقية في واقع الحال، وفق تعبيره.

برنامج التسوية.. أي مصير للنساء والأطفال؟

بعد إعلان المغرب الشطر الثاني من عملية تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة وفق شروط معينة من ضمنها الإقامة لمدة 5 سنوات فوق التراب المغربي، يبرز السؤال حول مصير عشرات النساء اللواتي يصلن إلى المغرب مع جنين أو رضيع؟ وهل يخضع هؤلاء الأطفال بدورهم إلى الشروط ذاتها؟

يؤكد مدير الرصد وحماية حقوق الإنسان بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبد الرفيع حمضي، أن الدولة المغربية استثنت جميع النساء والأطفال من المساطر المعمول بها، وأعطت توجيهات من أجل تسوية وضعيتهم بشكل نهائي.

ويضيف المتحدث ذاته، استنادا إلى إجراءات حكومية، أن هذه الفئات سيتم إلحاقها بنظام التغطية الصحية "راميد"، الذي يستفيد منه المغاربة.

"القانون المغربي لا يميّز بين المولودين فوق ترابه، ويعطي الحق لجميع الأسر لتسجيل مواليدها بمن فيها الأسر التي ترفض سفارات بلدانهم تسجيلهم"، يكشف المسؤول ذاته.

حديث المسؤول الحقوقي، لا ينطبق على حالة "برنسيس"، تلك الشابة التي جاءت إلى المغرب قادمة من نيجيريا سنة 2012، هي الأخرى وضعت طفلين منذ وصولها إلى المغرب.

برنسيس، مهاجرة أفريقية من نيجيريا
برنسيس، مهاجرة أفريقية من نيجيريا

​​تقول إن ما يحز في نفسها إلى اليوم، هو عدم تسلمها شهادة ميلاد الطفلين مباشرة بعد ولادتهما، نظرا لعدم توفرها (الأم) على الوثائق الثبوتية اللازمة.

أبناء المغرب؟

طفل، برنسيس
طفل، برنسيس

​​​علامات عدم الرضى تبرز أيضا في صوت عنابة، التي لم تشعر بفرحة إنجاب طفليها كما ينبغي، في ظل الواقع الذي تكابده حاليا، إذ تعيش على ما يقدمه لها الآخرون من صدقات.

تقول: "نطلب الصدقة حتى نستطيع الأكل وتأجير الغرفة التي نقطن بها، لكن ليس هذا ما يهمني حاليا، بل أبنائي فقط؛ من يحميهم ويوفر لهم حقوقهم ويضمن لهم كرامتهم؟"

نساء أخريات يتساءلن عن جنسية أبنائهن، هل أصبحوا مغاربة بالولادة؟

من وجهة نظر مدير الرصد وحماية حقوق الإنسان بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن هؤلاء الأطفال ليسوا بالضرورة أبناء المغرب، لأنهم يحملون جنسيات أسرهم، مضيفا: "الأطفال الذين لم يتم التعرف على أسرهم، هؤلاء فقط يحملون الجنسية المغربية".

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة