صورة متخيلة لماسينيسا
صورة متخيلة للملك الأمازيغي ماسينيسا جد الملك أرابيون

تعتزم الجزائر إقامة تمثال للقائد الأمازيغي ماسينيسا، حسبما أعلنه الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، الهاشمي عصاد، وسيُوضع التمثال في منطقة تافورة، وسط العاصمة.

ويوصف الملك الأمازيغي ماسينيسا بـ"مُوحّد مملكة نوميديا"، وهو صاحب مقولة "أفريقيا للأفارقة"، والتي قالها في وجه التوسع الروماني، لكن هناك من يتهمه بالعمالة لروما في حربها على قرطاجة (تونس قديما)، حتى ينصّبوه ملكا على نوميديا. فما حقيقة هذا القائد الأمازيغي؟

ميلاد في زمن الحروب

ولد ماسينيسا سنة 238 قبل الميلاد في منطقة خنشلة، شرق الجزائر، وهو ماسينيسا ابن غايا بن زيلالسان بن أيليماس، وكان هؤلاء ملوكا أمازيغ.

اشتهر بلقب "الإقليذ" ماسينيسا، وهي كلمة أمازيغية تعني الملك. كان معتزا بوطنه وبشعبه، رافضا للإمبراطورية الرومانية وأطماعها في السيطرة على شمال أفريقيا.

​​كانت الفترة التي ولد فيها مليئة بالحروب والخلافات، برزت فيها روما كإمبراطورية عظمى في الغرب، والدولة اليونانية في الشرق، وكان الصراع بينهما داميا للسيطرة على العالم.

سعت روما إلى السيطرة على شمال أفريقيا، فدخلت في حرب ضد قرطاجة، وهنا استغل ماسينيسا الفرصة وراح يوحّد الأمازيغ تحت مملكة واحدة هي "نوميديا"، وهو لم يتجاوز بعد العشرين من العمر.​

لا تبعيّة لروما

انتصر ماسينيسا في حربه على الملك صيفاقس، حليف قرطاجة، ثم خاض حربا ضد حنبعل، ملك قرطاجة، وانتصر عليه في "معركة زاما"، بعدما تحالف مع روما.

بعد هذه الحروب، استطاع ماسينيسا أن يوحد نوميديا من ليبيا شرقا إلى منطقة الشلف (غرب الجزائر)، وأقام عاصمته سيرتا (قسنطينة حاليا، شرق الجزائر).

​​لكنه رفض أن يبقى تابعا لروما، التي رأت فيه خطرا جديدا، فعمل على تأسيس جيش قوي تجاوز 80 ألف رجل بينهم 30 ألف فارس، كما أقام نظاما اقتصاديا قويا مبنيا على الزراعة، وسكّ عملة نوميدية، معلنا بذلك استقلاله عن روما.

يقول المؤرخ الجزائري، العربي عقون، في كتابه "ماسينيسا.. أو بدايات التاريخ"، إن هذا الملك "ساعدته العناية الإلهية في إصلاح قُطر شاسع، فوفر للنوميديين غذاءهم، وكانوا قبله لا يجدون غير الثمار البرّيّة غذاء لأنهم لا يتعاطون الزراعة".

حضارة بعد بداوة

حكم ماسينيسا دولته نوميديا لأكثر من نصف قرن، فوجد شعوبا بدوية في طباعها، ما دفعه إلى التفكير في كيفية تمدينها ونقلها إلى الحضارة.

بنى ماسينيسا مدنا وقسمها إلى أحياء سكنية وتجارية ومرافق عمومية وإدارية ودينية، متأثرا بالحضارتين القرطاجية واليونانية، وشجع البدو والرعاة على الاستقرار في المدن وضواحيها وامتهان زراعة الفواكه والحبوب لدفع الاقتصاد.

​​كما وضع أبجدية أمازيغية محلية تسمى "تيفيناغ"، استلهمها من اللغة الفينيقية الكنعانية والحروف البونيقية القرطاجنية.

وفي هذا يقول المؤرخ الجزائري، عبد الرحمن الجيلالي، في كتابه "تاريخ الجزائر العام": "لقد أقبل البربر على اللغة الكنعانية الفينيقية، عندما وجدوا ما فيها من القرب من لغتهم، وبسبب التواصل العرقي بينهم وبين الفينيقيين".

كما فرض الجبايات والضرائب وفتح مملكته للتجار اليونانيين، أما خارجيا، فقد أقام علاقات مع روما واليونان.

الوفاة وعودة روما

منع ماسينيسا روما من التدخل في شؤون نوميديا طيلة مدة حكمه، وبات قوة عسكرية واقتصادية أيضا، إذ تمكّن من تصدير منتجات نوميديا الزراعية إلى الدول المجاورة.

توفي ماسينيسا في عاصمته دولته "سيرتا" عن 90 عاما، سنة 148 قبل الميلاد، وكانت وفاته إيذانا بعودة روما، التي كانت عينُها على نوميديا، لأنها ظلت تعتقد أن ماسينيسا انقلب عليها، بعدما تحالف معها ضد قرطاجة لهزيمة حنبعل.

قبر ماسينيسا في منطقة الخروب شرق الجزائر
قبر ماسينيسا في منطقة الخروب شرق الجزائر

​​بقيت السلطة، بعد وفاة ماسينيسا، إرثا تنازع عليه أبناؤه ماسيبسا ومستعنبعل وغولوسن، وهنا وجدت روما الفرصة مناسبة، خاصة مع اختلاف أبناء ماسينيسا، فتدخّلت ووزّعت السلطة بينهم.

تولى ماسيبسا السلطة الإدارية وتولى مستعنبعل الشؤون القضائية، واهتم غولوسن بالشؤون العسكرية.

بقيت الجيوش الرومانية تحاصر قرطاجة ونوميديا، وأعلنت، بعد تقسيم السلطة على الأبناء الثلاثة، تبعية مملكة نوميديا لها، بعدما ظلت متمرّدة على روما طيلة فترة حكم "الإقليذ" ماسينيسا.

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة