شكري بلعيد
شكري بلعيد

تحلّ اليوم الذكرى الخامسة لاغتيال اليساري التونسي شكري بلعيد، أحد مؤسسي "الجبهة الشعبية"، أكبر أحزاب المعارضة في الوقت الراهن.

ولد بلعيد يوم 26 نوفمبر 1964 في جبل الجلود، الحي الشعبي الفقير قرب العاصمة تونس، وهناك تلقى تعليمه الابتدائي، وخاض مغامرة سياسية في سن مبكرة، بدءا بالعمل التلمذي والطلابي وصولا إلى تأسيس ائتلاف يساري كبير، مرورا بمهنة المحاماة ودفاعه عن معتقلين من مختلف المشارب السياسية كالإسلاميين واليساريين وغيرهم.

الطفل اليساري

التوجهات اليسارية لشكري بلعيد، لم تكن وليدة تكوينه الأكاديمي، إذ برزت لديه ميولات مبكرة نحو قيم اليسار، يؤكد شقيقه عبد المجيد بلعيد لـ"أصوات مغاربية".

"عنّف معلّم أحد التلاميذ بسبب عدم امتلاكه لقلم، فكان أن اقترح شكري بلعيد على معلمه تجميع مبلغ مالي يتم اللجوء إليه لشراء الأدوات المدرسية الناقصة في صفه، للتخلص نهائيا من العنف ضد الأطفال"، واقعة رواها المعلّم المذكور لعائلة بلعيد بعد اغتياله.

كان لبلعيد صفات قيادية منذ صغره، يقول شقيقه، الذي كان يشتغل في تنشيط ناد للطفولة يرتاده شكري "إذ يحرص على تقمّص دور القائد في مباريات كرة القدم، كما كان حريصا على عدم البكاء والانتقام لنفسه في حال تعرضه للظلم من قبل رفاقه في النادي" يسرد عبد المجيد.

شكري بلعيد الطفل، كان لامعا في دراسته بحسب شهادة شقيقه الذي أكد أنه كان "مولعا بالمواد العلمية، السبب الذي دفعه لاحقا إلى التخصص في الرياضيات قبل أن يتخلى عنها ليتجه نحو دراسة القانون".

حياة طلابية مسيّسة

تؤكد شهادات تاريخية أن شكري بلعيد كان مولعا بالعمل السياسي في مراحل مبكرة.

يقول الباحث في التاريخ، محمد ذويب، إن بلعيد كان يتردد على جامعة المنار منذ كان تلميذا، لحضور النقاشات السياسية التي كان يديرها اتحاد الطلبة في ذلك الوقت.

وبعد نيله شهادة الباكالوريا توجه بلعيد للدراسة في جامعة العلوم بالمنار، قبل أن يتم تجنيده، وفقا لذويب، "من قبل نظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، إلى منطقة رجيم معتوق في محافظة قبلي جنوب البلاد".

خلال تلك المرحلة الجامعية ساهم بلعيد، بحسب الباحث نفسه في تأسيس فصيل طلابي جديد بالجامعة، كما اختير عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس.

​قطع بلعيد، دراسته في الجامعة التونسية وفقا لشهادة شقيقه، متوجها إلى العراق حيث حاز على شهادة في القانون، عاد على إثرها إلى تونس، حيث تعرض لمضايقات جديدة أجبرته على المغادرة نحو فرنسا لاستكمال تكوينه الأكاديمي في التخصص نفسه.

عاد بلعيد إلى تونس، واشتغل في المحاماة، إذ دافع بحسب ذويب على حق المتهمين في أحداث سليمان الإرهابية في التمتع بمحاكمة عادلة، كما رافع في محاكمات الحركة الطلابية وسجناء أحداث الحوض المنجمي في 2008.

أثناء أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، شارك بلعيد وفقا للمصدر ذاته، في تحركات المحامين ضد النظام السابق، ما كلفّه الإيقاف والتعذيب.

بعد سقوط نظام بن علي، شكل الحزب الذي يقوده بلعيد قوائم ائتلافية مع أحد الأحزاب القومية، وفشل في تحقيق نتائج كبيرة ليركن إلى المعارضة، إذ مثل"أحد أكثر الأصوات ارتفاعا وجه الإسلاميين الذين مسكوا دواليب السلطة" يقول ذويب في تصريحاته لـ"أصوات مغاربية".

وفي مرحلة لاحقة أسّس بلعيد إلى جانب قيادات يسارية أخرى "الجبهة الشعبية"، الأمر الذي يرى فيه المحلل السياسي عبد الجليل معالي "مسعى توحيديا واضحا في الأداء السياسي لشكري بلعيد، لإيمانه أن تشتت قوى اليسار لا يخدم سوى القوى اليمينية، وتضييع لفرصة تأسيس حزب يساري كبير يخدم القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ويتصدى للمشاريع اليمينية بشكل عام".

​​"إياكم والانجرار إلى مربع العنف"

أصبحت هذه الكلمة التي نطق بها بلعيد في إحدى الحوارات التلفزية، شعارا تردده المنظمات الطلابية والأحزاب اليسارية في اجتماعاتهم وتظاهراتهم.

ويقول النائب عن الجبهة الشعبية، أيمن العلوي لـ"أصوات مغاربية" إن بلعيد كان حريصا في نقاشاته مع رفاقه في الحزب على التأكيد أن العنف لا يخدم إلا الرجعية".

فبلعيد، بحسب العلوي، كان يغضب بشدة لكل من يحاول التبرير أو التلميح لاتخاذ العنف نهجا، مؤكدا أنه كان حريصا في نقاشاته على الركون إلى النضال السلمي المدني لافتكاك الحقوق.

يعتقد العلوي أن النهج السلمي ونبذ العنف والتطرف، كان ضريبته اغتيال بلعيد بعد أن "جرد خصومه الذين ينتهجون العنف من سلاحهم الأخير".

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة