مناصرو مسعود ولد بلخير أحد أبرز المدافعين عن حقوق "الحراطين" في موريتانيا
مناصرو مسعود ولد بلخير أحد أبرز المدافعين عن حقوق "الحراطين" في موريتانيا

انعكس الموقع الجغرافي الذي تتميز به موريتانيا كحلقة رابطة بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، على التركيبة العرقية للبلاد، والتي تتكون بالأساس من ثلاث مجموعات رئيسية هي: "البيضان"، "الحراطين" و"الموريتانيين الأفارقة".

هذه التركيبة ليست مصدر تنوع بالنسبة لموريتانيا فقط، بل إن فئات من المجتمع الموريتاني لا تزال تعاني من التمييز، حسب ما تؤكده عدد من التقارير الدولية حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد، خصوصا بالنسبة لفئة "الحراطين" التي تتكون من العبيد السابقين من ذوي البشرة السمراء، وكذا الموريتانيين الأفارقة المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، والذين يتحدثون لغات غير العربية.

تقرير حديث لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تحت عنوان "المسألة العرقية، التمييز، وخُطوط حُمر أخرى"، أفاد أن الحقوقيين في موريتانيا "يواجهون القمع" عندما يثيرون القضايا الاجتماعية الأكثر حساسية في البلاد، وتشمل هذه القضايا "التمييز العرقي والفئوي والرق".

وفي الوقت الذي تؤكد فيه السلطات الموريتانية قضاءها على مسألة العبودية في البلاد، يشدد حقوقيون على أنها لا تزال موجودة، كما هؤلاء يتحدثون عن تمييز تتعرض إليه فئة "الحراطين"، من طرف مجتمع البيضان، المكون من العرب والبربر.

ويُعتبر الناشط عبد الله سالم يالي، آخر النشطاء الحقوقيين الذين تم اعتقالهم بسبب مواقفه من "التمييز" الممارس في حق "الحراطين"، ما جعل الأمن الموريتاني يقوم باعتقاله، وتقديمه للمحاكمة بداعي "التحريض على العصيان".

​​تقسيمات اجتماعية

يعترف المؤرخ الموريتاني ورئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، محمد ولد مولود، بوجود تمييز تجاه فئات معينة في موريتانيا، خصوصا على المستوى الاجتماعي، ويشير إلى أن المجتمع الموريتاني لا يزال مجتمعا تقليديا، "وحينما يولد الإنسان حرطانيا فتبقى نفس النظرة تجاهه مهما ترقى على الصعيد العلمي والمهني".

ويقدم ولد مولود، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، عددا من التقسيمات التي كانت في المجتمع الموريتاني، ولا تزال راسخة في ذهنية الموريتانيين، إذ يوجد في البلاد، طبقة "الزاوي"، وهي الفئة التي تدرس العلوم الشرعية، وفئة "العرب" ممن يطلق عليهم "أصحاب الشوكة"، ثم "المعلمين"، وهم أصحاب المهن، وبعدهم فئة "إيكاون"، من المغنيين والمطربين، ثم فئة "ازناكة"، وهم الرعاة، ثم "الحراطين والعبيد".

ويضيف المتحدث ذاته "الأمر لا يتعلق بلون البشرة، وإنما بأصل الإنسان ونسبه، وهذا الأصل هو الذي يحدد المكانة الاجتماعية".

ويوضح المعارض الموريتاني، أن فئة "الحراطين" كانت مضطهدة في المجتمع التقليدي، وبقيت في أسفل السلم الاجتماعي، "لكن حاليا، ولأن المجتمع يعيش مرحلة انتقالية، فهذه التصنيفات غير موجودة، إلا أنها لا تزال مترسخة في الأذهان، بحيث يوجد تمييز في الوظائف تجاه الحراطين".

هذه المسألة لا تقتصر فقط على موريتانيا، يؤكد ولد مولود، "بل إنها توجد في جنوب الجزائر والصحراء الغربية، إذ لا تزال أوضاع الحراطين مزرية".

​​مخلفات الماضي

تعتبر الناشطة الحقوقية الموريتانية، مكفولة منت إبراهيم، أن تعرض "الحراطين" للتمييز يعد إحدى "مخلفات الماضي"، أما عن ممارسة العبودية، فتشير إلى أنها ليست موجودة بشكل موثق، وأنها قد تقتصر على حالات نادرة في مناطق جد نائية.

وتؤكد منت إبراهيم، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن مسألة احتقار هذه الفئة، ترتبط بظاهرة اقتصادية، "بالنظر إلى أن الأحفاد كانوا يعانون من الاسترقاق ولم يتعلموا، كما أنهم يشتغلون في مهن هامشية"، مشيرة في الوقت ذاته، إلى أن عدم الاهتمام بالتدريس، كان سببا في انتشار "النظرة الدونية" و"الاحتقار" الذي يواجهه "الحراطين" في موريتانيا، "ما يعمّق الهوة الطبقية بين الموريتانيين".

إقرأ أيضا: حركة 'إيرا' والنظام.. هل تنجر موريتانيا إلى مواجهات عرقية؟  

وترصد الناشطة الحقوقية، إحدى أبرز أشكال التمييز التي يواجهها "الحراطين" في البلاد، ويتعلق الأمر بالزواج، إذ لا يستطيع من ينتمي إلى هذه الفئة، أن يتزوج من شابة تنتمي إلى فئة البيضان، ويعتبر البعض أن "هذه الطبقة تبقى أكبر من طبقة الحراطين".

وفي هذا الإطار، تشير منت إبراهيم، إلى أن هناك فتيات تزوجن من طبقة "الحراطين"، لكنهن صرن "منبوذات من المجتمع ويعاملن بقسوة"، فيما تشير إلى أن هناك من يعتبر أن "مثل هذه الزيجات تعد فضيحة".

وترجع المتحدثة ذاتها، هذه الوضعية إلى "الجهل وعدم الإيمان بقضايا التكافؤ"، كما تؤكد أن "القوانين لا تطبق بالرغم من أنها تجرم العبودية والعنصرية والكراهية"، مشددة على أنه "لابد من فرض إجبارية التعليم وتطبيق القانون، من أجل تغيير النظرة التي تعاني منها هذه الفئة".

استغلال؟

تشير التقارير الدولية أن موريتانيا اتخذت خطوات لإظهار التزامها بالنظام الدولي لحقوق الإنسان، وصادقت على معظم معاهدات حقوق الإنسان الكبرى، واعتمدت قوانين محلية لحماية حقوق الإنسان، كما تعمل مع الآليات الحقوقية الأممية والأفريقية، وسمحت بالدخول المتكرر للمنظمات الحقوقية الدولية لكن بقيود.

وتؤكد السلطات الموريتانية على أنها تعمل من أجل القضاء على جميع رواسب الماضي، خصوصا فيما يتعلق بالعبودية، والممارسة الحاطة من الكرامة التي تتعرض لها فئة من المواطنين الموريتانيين.

ويعتقد، مدير المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، ديدي ولد السالك، أن موضوع العبودية في موريتانيا يمكن النظر إليه من عدة زوايا، مشددا على أنها كانت في كل المجتمعات، بما فيها موريتانيا على اعتبار أنها كانت محطة عبور للقوافل.

ويقول ولد السالك، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن الممارسات الحاطة من كرامة الإنسان ترتبط أساسا بمشاكل اجتماعية وتنموية، بالنظر إلى أن "هناك فئات لم تجد لها مكانا في المجتمع"، فيما يعتبر أن "العبودية لم تعد موجودة بموريتانيا فالمجتمع تخلى عنها والقوانين تجرمها".

ويذهب المتحدث ذاته إلى القول إن عبودية القرن الواحد والعشرين، هي الجهل والفقر والمرض والحرمان، وهذا ما تعاني منه نسبة كبيرة من الشعب الموريتاني، فيما يشدد على أن هناك "استغلالا لمسألة العبودية والحراطين على الصعيد الخارجي من أجل الضغط على موريتانيا، وداخليا من قبل من يريدون الحصول على مكاسب"، على حد تعبيره.

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة