انتقد الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية، مسعود بوديبة، قرار فصل الأساتذة المضربين لأن ذلك سيؤدي، حسبه، إلى تأجيج الوضع وحدوث انزلاقات.
وكشف المسؤول بالنقابة التي تعرف اختصارا بـ"كنابست"، في حوار مع "أصوات مغاربية"، عن الخطوات التي سيلجأ إليها الأساتذة المضربون بعد التطورات الأخيرة.
نص المقابلة:
جاوز إضراب الأساتذة مدة شهر، وحتى شهرين في بعض الولايات، وما زال هذا الاحتجاج مستمرا، ما السبب؟
عندما يقارب الإضراب الشهر وطنيا، هذا يدل على أن هناك أزمة تسيير، وهناك أزمة في احتواء الأزمات منذ بداياتها، وهناك أيضا أزمة في الحوار والتفاوض.
هؤلاء المسؤولين يفتقدون لثقافة الحوار والتعامل بمرونة مع جميع القضايا، فعوض أن نلجأ إلى الحوار والتفاوض، ونُغلب المصلحة العامة على الخاصة، بات مسؤولو وزارة التربية يتعاملون مع الإضراب كأنه قضية شخصية.
نرى بأن قطاع التربية لديه مؤسسات، ومن واجب المشرفين عليه أن يُسارعوا إلى حل المشاكل في إطار الحوار والتفاوض. وعندما يفشل مسؤولو قطاع التربية ويتضامن الوزراء مع قراراتهم وسياستهم، هذا يعني أن هناك تضامنا حكوميا، لهذا فإن الفشل اليوم هو فشل حكومي.
من خلال تواصلكم مع وزيرة التربية، هل تعتقدون أن بإمكان الوزارة الاستجابة لمطالبكم؟
إذا ما تمعنتم في مطالب الأساتذة، سوف تجدون أنها في متناول مسؤولي وزارة التربية.
المطالب التي تحتاج إلى تجسيد نجسدها، والتي تحتاج إلى رزنامة نضع لها رزنامة، أما التي تحتاج تعاونا مع بعضنا البعض، نفرضها على الحكومة، ونحن مستعدون للتعاون.
لكن طريقة تعامل مسؤولي قطاع التربية مع الوضع، يُبين أن هناك عجزا في التعامل مع الأزمات ووجود خلفيات في التعامل مع إضراب "الكنابست".
هناك من يريد المساس بالنقابة، لأنها قوة اقتراح ولديها قدرة على التعبئة، ناهيك عن أنها تشكل لهم حاجزا، ولديهم عقد من هذا التنظيم.
فإذا كانت وزيرة التربية لا تعرف حقيقة المشاكل فنحن مستعدون لتبليغها، أما إذا كان محيطها يزودها بمعطيات غير صحيحة، فأظن الزمن كافٍ بأن تبحث عن حقيقة المشاكل.
عندما نجد الوزيرة منخرطة في إجراءات وتصريحات ولا تترك هامش الرجعة ولا تتعامل مع الوضع بصفة مرنة، يعني ذلك أن لديها مسؤولية كبيرة في الوضع القائم.
هل نفهم من كلامك أن الخلاف قائم بينكم وبين الوزيرة نورية بن غبريط شخصيا؟
نحن في نقابة "الكنابست" لا نتعامل مع الأشخاص، بل نتعامل مع المؤسسات ونؤمن بدولة المؤسسات، ونريد أن تكون مؤسسات قطاع التربية مؤسسات قوية، من خلال توزيع الصلاحيات واجتناب مركزتها في يد مجموعة صغيرة على مستوى رأس قطاع التربية.
نريد أن تكون لمدير التربية الصلاحيات الكاملة والشيء نفسه لمدير المؤسسة، فضلا عن أن يكون الأستاذ في وضعية معنوية ومادية واقتصادية واجتماعية مرموقة، والتلميذ يدرس في ظروف جيدة.
وزير التربية الوطنية هو منصب سياسي، وهذا المنصب ليس دائما، وهو مهدد بالتغيير في لحظة، وبالتالي البقاء للمؤسسات ولذوي الكفاءات.
عندما نفتح الباب أمام الكفاءات، أعتقد أن جميع القطاعات تصبح غير مرتبطة بالأشخاص، أما أن نربط مصير القطاعات بالأشخاص، فهما كان هؤلاء الأشخاص ستكون النهاية هي الفشل.
في المقابل، هناك من يتهمكم بتغليب مصلحة الأساتذة على مصلحة التلاميذ، بتوقيف الدراسة، قبيل فترة الامتحانات على الأبواب، ما ردك؟
هذا الكلام سمعناه منذ تأسيس هذا التنظيم والشروع في العمل على الميدان، والكل يعلم أن هذا التنظيم ساهم في التأسيس لثقافة التفاوض والحوار، عبر المحاضر الممضاة بين مسؤولي القطاع و"الكنابست"، وأصبحت هذه القاعدة معممة حتى مع باقي النقابات الأخرى.
الإشكالية المطروحة تتمثل في عدم التزام مسؤولي القطاع بالعهود والمواثيق التي يمضون عليها، مما يؤكد أنهم لا يحترمون قوانين الجمهورية، في حين نجد هذه المحاضر تتكرر من سنة إلى أخرى والمطالب المرفوعة هي نفسها.
الإشكالية مطروحة على مستوى مسؤولية مسيري هذا القطاع، فعندما نجد أن إضرابي 2014 و2018 يتضمنان نفس المطالب، فهذا يعني أن هؤلاء يؤسسون لتراكمات ترهن مصلحة التلميذ والأستاذ.
عندما تشترط وزيرة التربية توقيف الإضراب مقابل الحوار، ولا يجد مسؤولو القطاع آليات لإيقافه في مهده، أليس هذا يرهن المدرسة الجزائرية والتلميذ والأستاذ معا؟
شرعت وزارة التربية في عملية فصل المضربين، هل لديكم معطيات عن عدد الأساتذة المتخذ في حقهم هذا الإجراء؟
لم نسجل أي رقم ولم نضبطه، ذلك أن الأساتذة المضربين لم يستلموا هذه القرارات، كونها قرارات غير قانونية، ولا يخول القانون إصدار هذه الإجراءات العقابية.
مهما كان الهدف من العزل أو التخويف أو كسر الإضراب، فليس من حق مسؤولي القطاع أن يتخذوا هذه الإجراءات.
كما ليس من حقهم الاستخلاف ومنع الأساتذة من الالتحاق بالمؤسسات التربوية، وأيضا ليس من حقهم تكييف قرارات العدالة والقوانين حسب أهوائهم.
من الضروري على مسؤولي القطاع أن يحترموا قوانين الجمهورية، والابتعاد عن فوضى التعسفات القانونية وتجاوزات القوانين. ومن الضروري أيضا أن نجنح إلى الحوار، لأن الفصل سيؤجج الوضع أكثر وسيدفع بانزلاقات، نحن لسنا مسؤولين عنها.
وبعض الظواهر بدأت تظهر، وأظنها نتيجة حتمية لسوء التقدير بالنسبة لمسؤولي القطاع وسوء تدبيرهم في حل نزاع جماعي بسيط يحتاج إلى جلسات حوار وفقط.
صدرت أحكام من العدالة الجزائرية ببطلان الإضراب، لكن تصرون على مواصلته، هل هذا تحدٍ لقرارات العدالة؟
نحن أكثر الناس دعوة لاحترام قوانين ومؤسسات الدولة الجزائرية وللعدالة، غير أنني أريد التنبيه إلى أن قوانين الجمهورية واضحة في خطواتها في التعامل مع مثل هذه النزاعات الاجتماعية.
القانون يفرض على المستخدم أن يفتح أبواب الحوار لحظة وضع الإشعار بالإضراب، كما يعتبر غلق باب الحوار تجاوزا في حق القوانين.
حتى إن فشل الحوار، هناك محطة ثانية تتعلق بالمصالحة، وإن لم تأت المصالحة بنتيجة هناك خطوة أخرى وهي الوساطة، أما إذا فشلت الوساطة هناك محطة مرتبطة بالعدالة وهي التحكيم.
جلسة التحكيم يرأسها قاضٍ، والمحضر الذي يصدر عنها مُلزم للطرفين، وبالتالي كلا الطرفان ملزم بتطبيق محتوى المحضر وتوقيف الإضراب. فلو ذهبنا في هذا الطريق، في إطار القوانين، لما طال الإضراب.
الغريب في الأمر أن مسؤولي القطاع لجؤوا إلى المحكمة الاستعجالية، وتم إصدار قرار يعلمون مسبقا بأنه يصعب تنفيذه ميدانيا، وفق العديد من القراءات. إضافة إلى ذلك، لم نتوصل، لحد الساعة، بأي قرار من العدالة، وعندما نتوصل به فمؤسسات النقابة ستلتزم.
في حال استمرار خلافكم مع وزارة التربية الوطنية، ما هي الخطوات القادمة التي ستتخذونها؟
الأساتذة لن يسمحوا بالمساس بأي أستاذ على مستوى القطر الوطني، فما بالك بالفصل. الإضراب متواصل وهيئات النقابة هي من تراقب الوضع، وهي التي ستحدد الإستراتيجيات المستقبلية.
لكن الأكيد أنه مهما كانت الإستراتيجيات فلن نتنازل عن مطالبنا، ولن نسمح بالمساس بأي أستاذ، ولن نرضى بفصل أي أستاذ، وهذه الإجراءات باطلة قانونا ونعتبرها تعسفا في استعمال السلطة، وإن أصرت وزارة التربية الوطنية على الأمر، هذا يعني التأسيس لأزمة طويلة المدى، وممكن لا نهاية لها.
المصدر: أصوات مغاربية