تفجّر جدل واسع في تونس يتعلق بدور النقابات الأمنية، وذلك على خلفية اتهامات موجهة لإحداها بـ"التدخل في عمل القضاء والتأثير على أحكامه".
وطالب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بحل هذه النقابات "بعد أن تجاوزت دورها في الدفاع عن حقوق منظوريها"، فيما نفى ممثلوها تلك الاتهامات.
موجة رفض واسعة
احتجت منظمات فاعلة في المجتمع المدني وأحزاب بتونس على تدخل عناصر تتبع نقابات أمنية في عمل القضاء التونسي، واتهمتها بالسعي للتأثير على سير محاكمة كانت تنظر في إمكانية إدانة بعض الأمنيين بتعنيف موقوف.
وتجمهر عدد من الأمنيين هذا الأسبوع في فضاء محكمة بن عروس، بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية للمطالبة بالإفراج عن شرطيين موقوفين في شبهة الاعتداء بالعنف على موقوف.
وجاء هذا التجمع على إثر دعوة نقابة موظفي الإدارة العامة للأمن العمومي، في بيان لها "الأمنيين للاستنفار والحضور بكثافة" أمام محكمة بن عروس، و" عدم مغادرة أسوار قصر العدالة إلى حين الإفراج" عن زملائهم.
ونددت جمعية القضاة التونسيين في بيان لها ما سمته "تصرفات خطيرة وغير مسؤولة (من شأنها) تهديد الأمن العام وضرب مؤسسات الدولة وفتح المجال لاستباحتها"، كما جددت مطالبتها بـ"الإسراع ببعث جهاز أمني خاص يعود بالنظر لوزارة العدل".
وفي بيان لها نددت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان أيضا بـ"تعمد مجموعة من العناصر الأمنية الحاملين لأسلحتهم الوظيفية المدعومة من النقابات الأمنية التجمهر بحرم المحكمة الابتدائية ببن عروس يوم الإثنين (...) وتعمدهم تطويق المحكمة بالسيارات الأمنية وتعطيلهم سير العمل ودعوتهم لمقاطعة تأمين المحكمة والجلسات".
ونبهت من "خطورة الأفعال الصادرة عن بعض النقابات الأمنية"، واعتبرت أنها "تأصيل لاستفحال ظاهرة الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب والمعاملة المهينة والقاسية وغيرها من القضايا التي يكون فيها الأمنيون متهمين".
كما أصدرت منظمات أخرى على غرار نقابة الصحافيين وجمعية المحامين الشبان ومنظمة مناهضة التعذيب، بيانات منددة بالتطورات الأخيرة.
وعلى مستوى الأحزاب السياسية، اعتبر حراك تونس الإرادة الذي يتزعمه الرئيس السابق، المنصف المرزوقي " اقتحام أمنيين مسلحين للمحكمة تقويض لدولة القانون والمؤسسات"، كما عبرت حركة النهضة المشاركة في الائتلاف الحكومي عن "رفضها لما صدر عن بعض المحسوبين على بعض النقابات الأمنية من تحرك في محكمة بن عروس ومحاصرة لمقرٰها".
وطالب نشطاء على المنصات الاجتماعية بضرورة "حل النقابات الأمنية"، مستعرضين جملة مما "التجاوزات التي أقدمت عليها هذه النقابات".
قضايا في الأفق
موجة الرفض لتحركات بعض المحسوبين على النقابات الأمنية لم تتوقف عند بيانات التنديد، إذ أكد النائب في البرلمان، ياسين العياري، نيته رفع دعوى قضائية في هذا الإطار.
وكلّف العياري، وفقا لما صرح به لـ"أصوات مغاربية"، محاميا لتكوين فريق قانوني يدرس الملف من جوانبه المختلفة لرفع قضية ضد النقابة الأمنية التي دعت للتجمهر أمام محكمة بن عروس، معتبرا أن دخول عناصر أمنية مسلحة للمحكمة "يؤثر على عمل القضاء ويكريس لقانون الغاب"، حسب تعبيره.
كما سيسائل العياري وزير الداخلية حول ما سماه "فشلا في فرض الانضباط على بعض منظوريه الذين تجاوزوا القانون في محكمة بن عروس".
وسيبحث العيّاري إمكانية اقتراح مبادرة تشريعية لتنقيح المرسوم الذي يسمح للأمنيين بالتنظم، مشيرا إلى أن هذه المبادرة قد لا تلقى نجاحا على اعتبار أن موضوع النقابات الأمنية "محرج للطبقة السياسية" خاصة في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات البلدية.
عمل في إطار القانون
في المقابل، تصر النقابات الأمنية على أنها تعمل وفقا للضوابط القانونية، مؤكدة أنها لم تتدخل في عمل القضاء.
وفي هذا السياق، يقول عضو اتحاد النقابات الأمنية، طارق الخليفي، إن "الأمنيين لا يتدخلون في عمل القضاء، بل على العكس يتم حماية المقرات والمحاكم بهدف تسهيل عمل القضاة في هذه المؤسسات".
ونفى الخليفي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، اقتحام المحكمة من قبل عناصر أمنية مسلحة، مشيرا إلى أن "السلاح الوظيفي يلازم بشكل قانوني بعض الأمنيين المهددين بالقتل".
كما اعتبر أن تجمهر الأمنيين أمام المحكمة يوم الإثنين الماضي كان من أجل "تقديم المساندة المعنوية لزملائهم الموقوفين، نافيا شبهات التعذيب التي تلاحقهم".
وفيما يتعلق بمطالب حل النقابات الأمنية، قال الخليفي إن تأسيس النقابات الأمنية مكفول قانونيا، وهو شكل من أشكال التنظم المعمول به في عدد من دول العالم، معتبرا أن المطالبة بحل نقابات الأمن "سيفتح الباب أمام المطالبة بنقابات أخرى في قطاعات مختلفة".
وتشكلت بعد ثورة 14 يناير، نقابات شملت أغلب أسلاك المؤسسة الأمنية، وشكلت أنشطتها جدلا دائما في الأوساط السياسية والإعلامية.
المصدر: أصوات مغاربية