تداول مجموعة من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، نهاية الأسبوع الأخير، مقطعا من خطبة الجمعة حيث يتحدث الخطيب عن الفقر والغنى "كابتلاء"، مرفقين إياه بتعليقات تعبر عن استيائهم من موضوعها، الذي اعتبر البعض أن له أبعادا تتجاوز الجانب الديني.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تثير فيها خطبة الجمعة في المغرب جدلا ونقاشا، ذلك أنه كثيرا ما انتقد مغاربة مواضيع بعض خطب الجمعة واعتبروا أنها "توظف" لأغراض ليست ذات صلة بالدين.
وفي هذا الإطار، يكفي كمثال استرجاع واقعة احتجاج "قائد حراك الريف"، ناصر الزفزافي، في شهر ماي من العام الماضي، على مضمون خطبة الجمعة التي ألقيت في عدد من مساجد الحسيمة، والتي حذرت من "الفتنة التي قد تتعرض لها منطقة الريف"، وهي الخطبة التي تزامنت مع الاحتجاجات التي كانت تشهدها المنطقة في ذلك الوقت.
فهل دور خطبة الجمعة يقتصر على الوعظ والإرشاد؟ وهل يجب حقا أن يقتصر موضوع الخطبة على الجانب الديني فقط؟
بين الديني والدنيوي
على الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، يوجد أرشيف لمجموعة من خطب الجمعة، مواضيع بعضها ذات بعد ديني صرف (التوبة، فضل الدعاء، وجوب محبة الرسول…)، وأخرى ترتبط وتواكب مناسبات وطنية معينة (المسيرة الخضراء، الاستقلال…) إلى جانب مواضيع ترتبط بالحياة اليومية والقضايا الوطنية (حوادث السير، الهجرة واللجوء…).
بالنسبة لرئيس المجلس العلمي المحلي لأزيلال، محمد حفيظ، فإن دور خطبة الجمعة هو "الوعظ والإرشاد" وأيضا "الإعلام".
وإذا كان البعض يرى أن الخطبة يجب أن تلتزم بالوعظ والإرشاد، وأن تكون مواضيعها دينية صرفة، فإن حفيظ يشير ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن الخطبة "لا يجب أن تكون معزولة عن حياة الناس وانشغالاتهم".
فالمتحدث يؤكد أن من أدوار الخطبة أيضا "معالجة المشاكل الموجودة سواء في القرية أو في المدينة أو في البلاد"، غير أنه شدد هنا على ضرورة أن يكون الخطيب ملما بالموضوع الذي يتطرق إليه.
واستنادا إلى تصريح رئيس المجلس العلمي المحلي بأزيلال، فإن خطبة الجمعة تجمع بين الديني والدنيوي، إذ يوضح بأنها تقوم بـ"معالجة المواضيع المطروحة في الساحة" ولكن "من وجهة نظر دينية".
في السياق نفسه، يشير المتحدث إلى مناسبات معينة حيث تكون هناك خطب "موحدة" يلتزم بها الخطباء، "أما دون ذلك"، حسب حفيظ "فالخطيب حر"، ولكنها حرية "مضبوطة بقواعد وشروط معينة".
ومما يشير إليه حفيظ في هذا الإطار "ضرورة التزام الخطيب بثوابت الأمة وتوجهاتها"، و"أن يكون ملما بالموضوع الذي سيرشد فيه".
الخطبة والنظام السياسي
المحلل السياسي، محمد شقير، من جانبه يتطرق إلى البعد السياسي لخطبة الجمعة، إذ يقول إن "خطبة الجمعة في المغرب مرتبطة بنظام سياسي يقوم على الشرعية الدينية وعلى إمارة المؤمنين".
ويوضح شقير، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "خطبة الجمعة كانت محل صراع سواء داخل المغرب أو حتى داخل بعض الدول الإسلامية" ذلك أن "الخطبة باسم الملك أو السلطان هي تكريس لشرعيته".
بالتالي، يقول المتحدث فإن "الخطبة ليست مرتبطة بالإرشاد الديني فقط بل إنها مسألة سياسية"، مشيرا إلى "انتهائها بالدعاء للملك عبر ربوع المملكة"، الأمر الذي "يكرس شرعيته (أي الملك) الدينية والسياسية".
ويشدد شقير على "أهمية وحساسية خطبة الجمعة في المغرب"، وهو الأمر الذي يستدل عليه بـ"الإشراف الرسمي على تأطيرها من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية".
الجانب السياسي للخطبة، يظهر أيضا، حسب المحلل السياسي، من خلال "مواكبتها لبعض المناسبات الدينية والوطنية" حيث "تعمم الخطبة على كل المساجد ويؤمر الأئمة بتلاوتها كما بعثت لهم من طرف الوزارة".
انطلاقا من كل ما سبق يشدد شقير على أن "خطبة الجمعة كانت وستبقى في إطار النظام السياسي بالمغرب آلية من آليات تكريس الشرعية السياسية والدينية للملك كأمير للمؤمنين" بالتالي فإن "النظام يرفض كليا أي تجاوز أو اجتهاد أو خروج عن الإطار العام للخطبة داخل المساجد كل جمعة".
خطبة الجمعة في المغرب قناة للدعاية السياسية الفجة للسلطة، وتوظيف للدين في غير محله، فهل من مذكّر؟
— younes masskine (@younesmasskine) 14 avril 2017
تبني مواقف معينة
من جانبه، يرى رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، منتصر حمادة، أن "دور خطبة الجمعة بشكل عام، لا يخرج عن الوعظ الديني" والذي يتم، حسب المتحدث "عبر ثنائية الترغيب والترهيب، أو الرقائق والذكر والدعاء وما إلى ذلك".
و"في الحالة المغربية"، يقول حمادة "غالبا ما يتم التركيز في الخطبة الأولى أو الثانية، أو كلاهما معا، على موضوع ما، قد يكون ظاهرة مجتمعية، أو مناسبة دينية أو وطنية".
ويتابع المتحدث تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، موضحا أنه "ما دمنا نتحدث عن المناسبات الوطنية، فإننا نتحدث عن سياق وطني، ولا نتحدث عن خطبة جمعة موجهة للمسلمين من الدار البيضاء إلى جاكارتا، كما أن هذا المسجد أو غيره، يشتغل في سياق وطني، وتحت تأطير مؤسسة دينية وطنية، تابعة لدولة سيادة، أياً كانت هذه الدولة، هنا في شمال إفريقيا أو الخليج العربي أو آسيا" على حد تعبيره.
من ثمة يرى حمادة أن "من المتوقع، أن تنخرط خطبة الجمعة بين الفينة والأخرى، في تبني مواقف تروم صيانة الوحدة الوطنية، والدفاع عن الدولة والمجتمع"، وذلك لأنها "لا تتحدث عن كائن مجتمعي هلامي، أو عن سلطة سياسية غير مرئية" على حد تعبيره.
وإذا كان هناك من يعترض على تبني الخطبة موقفا سياسيا، فإن حمادة من جانبه يعبر عن رأي رافض لفصل الخطبة عن "السلطة الدينية" وكذا "السلطة السياسية" للدولة، ذلك أن جعل الخطبة في رأيه لا تتقيد "بالسلطة الدينية والسياسية" للدولة قد يفتح المجال لترويج "خطاب ديني متشدد أو مادي متطرف".
المصدر: أصوات مغاربية