فوجئت الفنانة التشكيلية المغربية، خديجة طنانة، الخميس، بمنع عرض لوحتها "كاماسوترا"، كما كان مقررا في فصاء متحف الفن المعاصر بمدينة تطوان شمالي المغرب.
اللوحة المكونة من مجموعة من القطع الفنية، تصور وصعيات جنسية مختلفة، يفوق عددها 200 قطعة، على شكل "خميسة"، تقول إنها تكريم لصاحب كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر"، التونسي عمر بن محمد النفزاوي.
وضعت الفنانة التشكيلة شريطا لاصقا على فمها ويديها احتجاجا على "المنع والتضييق على حرية الإبداع".
في هذا الحوار تتحدث طنانة لـ"أصوات مغاربية"، عن أسباب منع اللوحة من العرض، وهل يشهد المغرب تراجعا في حرية التعبير الفني؟
إليكم نص المقابلة:
تم يوم الخميس منع لوحتك من العرض في متحف الفن المعاصر بتطوان، هل من تبرير للقرار؟
إطلاقا، لم يقدموا أية مبررات ولم يشرحوا الأسباب، لقد كان هناك غموض حتى على مستوى الجهة التي اتخذت قرار المنع، وإن كانت هي وزارة الثقافة، ولكن من تحديدا؟ لا أعلم.
قضينا اليوم بكامله في تعليق اللوحة، فهي ليست بالبسيطة، هي عبارة عن لوحة مركبة من 246 قطعة صغيرة، ويصل حجمها إلى مترين و75 سنتيمترا، على مترين، مباشرة بعد الانتهاء من ذلك، طُلب منا إزالتها دون توضيح الأسباب.
كان هناك اتصال لاحق مع مندوبية الوزارة، وتأكد رفض عرض اللوحة التي حضر الجمهور لمشاهدتها فلم يجدها.
حدث هذا للأسف في متحف الفن المعاصر، لكن يبدو بعد ما جرى أننا لم ندخل عصرنة ولا حداثة بعد، مازلنا لم نخرج بعد من القرون الوسطى.
هل تعتقدين أن الأوضاع الجنسية في اللوحة هي سبب المنع؟
طبعا، فاللوحة عبارة عن تجسيد لـ"كاماسوترا" التي وصل تأثيرها إلى العديد من البلدان والأشخاص، من بينهم الفقيه النفزاوي، الذي ألف كتابا يتضمن تقريبا جميع الوضعيات التي قدمتها في لوحتي.
وللإشارة، فذلك الكتاب (تقصد الروض العاطر في نزهة الخاطر)، تم تأليفه في القرن الثالث عشر، بطلب من حاكم تونس، حيث كان النفزاوي قد ألف كتابا بعنوان "تنوير الوقاع في أسرار الجماع"، فطلب منه تطويره بهدف توعية الناس في أمور الجنس والصحة الجنسية.
المثير أنه في القرن الثالث عشر كان للناس وعي بأهمية التربية الجنسية، بينما اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين، نرى كيف يتم إهمال هذا الأمر، ما أدى إلى ما نراه ونسمع عنه من حوادث اغتصاب وتحرش، بالإضافة إلى القلق والخوف الدائمين بين الجنسين، نتيجة التربية التي تقوم على التخويف من الجنس الآخر.
هل هذا يعني أنك استلهمت فكرة اللوحة من كتاب النفزاوي؟
لم أستلهمها من كتاب النفزاوي، ولكن أنا فقط قمت بتكريم النفزاوي من خلالها، أما الفكرة في حد ذاتها فهي حاضرة منذ مدة، وقد جاءت اللوحة في إطار تفاعلي مع ما أتابعه في المجتمع من ظواهر مقلقة.
لذلك فقد جاءت اللوحة لتقول إنه آن الأوان كي نضع حدا لهذه الطابوهات التي تزيد وتعمق عقد المجتمع، ولتقول كفى من التربية التي تقوم على تخويف الجنسين من بعضهما البعض.
يجب أن نربي الأجيال القادمة على قيم المحبة والصداقة بين الجنسين، لا على أساس التفرقة التي تنمي الكبت.
تقصدين أن ظواهر كالتحرش، هي نتيجة للكبت والتعامل مع الجنس كطابو، لذلك حاولت مواجهة تلك الظواهر من خلال تكسير هذا الطابو؟
نعم. مجموعة من الفاعلين من مجالات مختلفة يتعاملون ويتفاعلون اليوم مع هذه الظواهر التي تثير القلق من منطلق تخصصاتهم، وكثير منهم يشددون على أهمية التربية الجنسية، وأنا بدوري تفاعلت مع الموضوع من موقعي كفنانة.
يجب تكسير هذا الطابو، وللإشارة فإن الثقافة الإسلامية ليست ضد الجنس، ليس كالكاثوليك مثلا الذين يعتبرون الجنس ذنبا، ويرون أنه وُجد فقط للإنتاج والولادة وليس للمتعة.
الإسلام يعترف بالمتعة، ولكن طبعا نتيجة العقليات الذكورية، تم الانحياز للرجل وصارت المرأة تعتبر مجرد وسيلة.
تشتغلين كثيرا على تيمة الجسد، وعلاقة المرأة والرجل، لماذا التركيز على هذه التيمة بالذات؟
لقد كان أول موضوع اشتغلت عليه في بداياتي حول الأسطورة التي تقول إن المرأة أصلها ضلع أعوج للرجل، هذه المقولة لطالما أثارتني واستفزتني، فاشتغلت على لوحة يبدو فيها الرجل وهو يخرج من شعر المرأة.
لطالما كانت علاقة المرأة والرجل حاضرة في لوحاتي، لأنني كبرت في مجتمع حيث تسود مجموعة من المعتقدات التي تخوف الجنسين من بعضهما، وهي المعتقدات التي تعكسها حتى بعض المقولات من قبيل المثل العامي "خاف من الذكير ولو يكون قد الفير" (اخش الذكر ولو كان في حجم فأر)، مثل هذه الأمثال كانت تردد على مسامع الفتيات منذ طفولتهن، فيكبر بداخلهن ذلك الخوف من الجنس الآخر.
الذكور بدورهم كان يتم تخويفهم من الفتيات، وتقال لهم أشياء غريبة من قبيل أن النساء يبتلعن الرجال، وغيرها من المقولات والمعتقدات التي حان الوقت لتجاوزها.
كيف ترين وضعية حرية الإبداع في المغرب حاليا؟
الواقع أن هناك تراجعا خطيرا، بالكاد رفعنا أرجلنا لنخطو خطوة في اتجاه الأمام، حتى تم تكسير أرجلنا وإرجاعنا خطوات إلى الوراء.
أرى أن هناك تراجعا خطيرا، ومن يتحملون المسؤولية ويسيرون البلاد يسهمون في ذلك.
تقصدين حزب العدالة والتنمية الذي يرأس للحكومة؟
طبعا، حزب العدالة والتنمية ساهم بشكل لا يتصور في هذا التراجع، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، مثل ما واجهته المخرجة المسرحية نعيمة زيطان في عرضها "ديالي"، ونبيل عيوش وما واجهه من رقابة.. الأمر مقلق، ولا أعلم إلى أين يسيرون بنا.
المصدر: أصوات مغاربية