في الطريق إلى منطقة مديونة، بضواحي مدينة الدار البيضاء، أكبر المدن المغربية، تبرز للوهلة الأولى أسراب طيور بيضاء تطوف فوق مكان. بعد ذلك تبدأ الرائحة تظهر كاشفة عن طبيعة هذا الموضع الذي تتجمع فوقه كل تلك الطيور؛ إنه أحد أكبر مطارح الأزبال بالمغرب، مطرح "مديونة".
ليست الطيور وحدها من ترتاد هذا المطرح، بل عشرات "الهباشة"؛ أشخاص يعيشون من النبش في أكوام الأزبال.
أيوب: نعيش من القذارة وفيها
يُطلق عليهم اسم "الهباشة" أو "البوعارة"، ويُقصد بهذه الأوصاف كل أولئك الباحثين عن ما يصلح للبيع في نفايات متكدسة بمطارح الأزبال.
يصل عددهم في المغرب إلى أكثر من 7 آلاف شخص، حسب إحصائيات حديثة كشفت عنها كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة.
الإحصائيات التي نشرت بداية العام الجاري، تشير إلى أنه من أبرز المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء، التعرض لمواد سامة وكيماوية، إضافة إلى إمكانية إصابتهم بأمراض خطيرة. الأمر الذي يؤكده عدد من "الهباشة" الذين التقتهم "أصوات مغاربية" قرب مطرح "مديونة".
"واقعنا قذر.. نعيش في القذارة ومن القذارة"، هكذا يصف أيوب، بروحٍ محبطة، حال سكان دوار الحلايبية، الذين يعيشون قرب ومن مطرح "مديونة" منذ سنة 1986.
بعض سكان هذا الدوار، وفق أيوب، يقتاتون من نفايات المطرح، والبعض الآخر يبحث عن مواد يبيعها من أجل إعادة تدويرها.
ككل صباح، يشرع أيوب بالطواف بعربته من كومة نفايات إلى أخرى، يبحث عن قطع بلاستيكية أو معدنية لبيعها.
"منذ طفولتنا، نخرج من المدرسة لنجد أمامنا مطرح النفايات، نأكل منه ونجمع بعض البلاستيك، إلى أن كبرنا وكبرت أمامنا الزبالة"، يردف أيوب.
يشير أيوب إلى أن سكان الدواوير المحيطة بمطرح "مديونة" متعلقون به إلى درجة أنهم يرون في خطوة المجلس المسير لمدينة الدار البيضاء، القاضية بنقل مكان المطرح إلى موضح آخر يستجيب لمعايير تخفف من الآثار السلبية على السكان والبيئة، قرارا سيشكل ضررا على مورد رزقهم.
بيد أن أيوب لا يريد أن يعيش أطفاله من النفايات، رغم أنه يعتبر ما يقوم به "عملا شريفا يمنعه من مد يده للتسول أو سرقة رزق غيره"، كما يقول.
ما يطالب به هذا الشاب الثلاثيني هو أن يتم تعويض جميع سكان الحي العشوائي الذي يقطنه، لترك منازلهم والانتقال إلى مكان آخر، أما العمل في المطرح فهو، بالنسبة له، "قضاء وقدر".
عبد الهادي: صِرنا بشرا ملوثين
عبد الهادي شاب آخر يُكابد المعاناة نفسها في دوار "الحلايبية" القريب من مطرح "مديونة". يقول إن "السكان يُصابون بأمراض مختلفة بسبب الأكل من النفايات وروائحها الكريهة".
ويضيف هذا الشاب: "نحن لا نعاني من التلوث البيئي فقط، بل من التلوث البشري، نحن سكان ملوثون".
في كل مرة يفكر فيها عبد الهادي بتغيير مهنته يتذكر أسرته المكونة من 7 أفراد. يقول إنهم ينتظرونه من أجل إعالتهم، رغم أن ما يجنيه يُصرف في أدوية أمراض التنفس التي تتسبب فيها روائح النفايات.
"لا يمكنني أن أخرج من الدوار، ليس لدي مكان آخر أذهب إليه، مستقبلي هنا ورزقي هنا"، يقول عبد الهادي مردفا: "يطالبوننا بالإفراغ ولا يهتمون بمصيرنا، نشعر أننا لا نختلف عن نفايات المطرح".
المصدر: أصوات مغاربية