قبل خمس سنوات، انتشر فيديو للبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، المقرئ أبو زيد، يقدم فيه نكتة تربط سكان منطقة سوس، ذات الأغلبية الأمازيغية، بـ"البخل".
نكتة البرلماني ما فتئت أن أثارت جدلا واسعا في المغرب، واتهم بسببها بالعنصرية تجاه الأمازيغ.
مثل هذه الصور النمطية لا ترتبط فقط بالمنحدرين من منطقة سوس، جنوب المغرب، بل إنها تُلصق أيضا بسكان مناطق أخرى، مثل سكان الريف أو أهل فاس، فضلا عن أهالي مناطق تسمى، على نحو قدحي أيضا، بـ"العروبية".
نعوت قبلية
أستاذ علم الاجتماع، علي الشعباني، يعتقد أن الصور النمطية موجودة في كل المجتمعات، وأنها "بصمة المعيش اليومي"، مشيرا إلى أن المسألة لا تأتي صدفة أو من فراغ، وإنما من معايشة ومساكنة الآخر.
ويقول الشعباني، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن هذه الصور النمطية توصيف لسلوكات واتجاهات معينة في مختلف مدن وجهات المغرب من شماله إلى جنوبه.
ويرصد الباحث في علم الاجتماع عددا من الأوصاف التي يطلقها المغاربة على بعضهم، ولعل أبرزها اعتبار "الجبلي مغفل، والفاسي بخيل ووصولي وانتهازي، والريفي عنيد ومعارض بالفطرة، والسوسي بخيل وشاطر يسعى للربح".
ويتابع المتحدث الأوصاف التي تطلق على مناطق أخرى، كالقول إن سكان مدينة تطوان مشهورون بالخوف والتردد، وسكان طنجة معروفون بالانفتاح على الثقافات، فيما يطلق على ساكنة العاصمة الرباط أنهم "يرفضون الأجنبي".
عصبية جديدة
أما أستاذ علم الاجتماع، رشيد الجرموني، فيعتبر أن هذه الصور النمطية المتداولة حول مناطق وانتماءات لغوية أو عرقية بالمغرب تعبير عن "قبلية جديدة"، مشيرا إلى أن ما يسميها "التعصبات الجهوية" لا تزال قائمة في المغرب، رغم التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي بالانتقال من مجتمع تقليدي إلى حديث.
ويوضح الجرموني، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن هذه الصور تبقى حاضرة رغم التحول الذي يعرفه المجتمع، سواء في الأسرة أو العمل أو المدارس، وحتى في وسائل الإعلام في بعض الأحيا .
وفي السياق ذاته، يؤكد المتحدث أن هذه النظرة تُعبر عن "احتقار ونظرة سلبية، تعكس تمييزا عنصريا"، مضيفا: "فإذا كانت مجتمعات تعيش العنصرية على أساس مختلف، فإنه في المغرب توجد عنصرية مرتبطة بالهوية، وهذا قد يؤدي، في بعض الأحيان، إلى فقدان الشغل أو الحصول عليه حسب كل حالة".
ويصف الباحث السوسيولوجي انتشار هذه الصور النمطية بـ"الخطير والمسكوت عنه"، موضحا أنه سرطان هادئ في المجتمع"، على حد تعبيره، كما يعتبر أن هذه الأحكام المسبقة تحضر وتغيب حسب المناسبات.
ومن أبرز المناسبات التي تظهر فيها هذه الصور النمطية، يؤكد رشيد الجرموني، فترة الانتخابات، خصوصا في المناطق التي يتقوى فيها البعد الهوياتي.
يظهر ذلك، وفق الباحث السوسيولوجي المغربي، بنوعية المرشحين الذين يتم اختيارهم، وأيضا بخصوص التصويت للانتماء القبلي.
"رغم أن هذه المسألة تزعزعت منذ انتخابات 2011، إلا أنها لا تزال حاضرة"، يردف الجرموني مضيفا: "في المغرب، لا زلنا لم نصل بعد إلى مفهوم متوافق عليه للمواطن الذي يتمتع بحقوقه".
الأمازيغ.. الحقيقة والتمثل
يربط الناشط الأمازيغي، أحمد أرحموش، بين الصور النمطية التي يتم إلصاقها بأمازيغ سوس، بوصفهم بـ"الشلوح"، إلى جانب نعتهم من قبل البعض بالبخل، وبين حرص الأمازيغ على "ضمان حكامة مالية واقتصادية جيدة لحياتهم العامة والخاصة".
ويعتبر أرحموش، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أنه "بدلا من توصيف الأمر على أنه يدخل في سياق التدابير الجيدة للمال العام والخاص، تطلق على الأمازيغ أوصاف قدحية وتكرَّس في الخطاب الشعبي".
ويشير الناشط الأمازيغي ذاته إلى أن ربط الأمازيغ بصور نمطية وأحكام جاهزة، هو أمر مرهون بوضعية الأمازيغية والأمازيغ في المنظومة الفكرية والتشريعية والسياسية.
هذه الوضعية، حسب أرحموش، "لا تزال تكرس التمييز اللغوي والعرقي، وسيبقى الأمر مكرسا في الذاكرة ما لم يتم الإسراع في استعادة الأمازيغية لمكانتها في الحياة العامة"، وفق قوله.
المصدر: أصوات مغاربية