فتح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، النقاش مجددا حول السلفيين في الجزائر، من خلال رسالة جديدة بعث بها إلى أتباع هذا التيار، وحملت انتقادا لهم ولأفكارهم.
وتضمن عنوان الرسالة، التي نشرها المسؤول عن السياسة الدينية بالجزائر عبر صفحته بفيسبوك، طلبا مباشرا للسلفيين بأن "يكونوا مسلمين جزائريين وكفى".
وقد دفعت مبادرة المسؤول الحكومي للتساؤل عما إذا كانت السلطات تفكر حقا في فتح حوار مع تيار السلفية بالجزائر، بعد سنوات من الجفاء التي ميزت العلاقة بين الطرفين، خاصة بسبب ما شهدته الجزائر في العشرية السوداء، وتورط جماعات متطرفة عديدة محسوبة على التيار السلفي في تلك المرحلة.
الرئاسيات وقلق السلطة
يؤكد مدير الإعلام السابق بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، عدة فلاحي، أن مبادرة المسؤول في الجهاز التنفيذي الجزائري تعد خطوة جديدة في التعاطي مع ملف السلفيين في الجزائر.
ويقول فلاحي إن مقتطفات عديدة ضمتها رسالة الوزير محمد عيسى تكشف نية السلطة الجزائرية في فتح حوار مع أتباع هذا التيار.
غير أن المسؤول السابق بوزارة الشؤون الدينية يتساءل، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، عن الخلفيات الحقيقية لهذا التغير الذي طرأ على موقف الوزير عيسى الذي كان من أشد المعارضين لإقامة أي اتصال مع هذه الجماعة، بالنظر إلى مرجعيتها المتعصبة، كما يوضح فلاي.
ويروي المدير السابق للإعلام قصة وقعت له في سنة 2010، عندما تلقى طلبات من قبل ناشطين في التيار السلفي من أجل فتح حوار مع السلطات، قائلا: "قدمت عرضا رسميا للوزير السابق، غلام الله بو عبد الله، إلا أنه أبدى رفضا لهذه الفكرة".
ويضيف المتحدث ذاته موضحا: "حتى الوزير الحالي، الذي كان يشغل منصب مدير مركزي وقتها، طالبني بعدم التطرق لهذه الفكرة مجددا، كونها تدخل ضمن صميم صلاحيات المصالح الأمنية".
ولا يستبعد عدة فلاحي أن تكون السلطة في الجزائر قد غيرت موقفها حيال مسألة محاورة السلفيين، بناء على مجموعة من المعطيات والعوامل، تأتي على رأسها، كما يوضح، حالة الغليان الاجتماعي التي تعرفها العديد من ولايات الوطن.
ويستطرد فلاحي قائلا إن هذا العامل ولَّد حالة من الارتباك عند السلطة التي تحاول، في الظرف الراهن، احتواء العديد من التيارات السياسية والدينية، من أجل تهدئة الوضع، ومنها التيار السلفي في الجزائر.
أما الباحث في الإسلاميات، سعيد جاب الخير، فيؤكد، في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، أن موقف الوزير محمد عيسى الأخير مرتبط برهان الانتخابات الرئاسية المقبلة، "التي تعد الشغل الشاغل للسلطة الآن"، وفق قوله.
ويضيف جاب الخير: "ربما تحاول السلطة تحييد السلفيين من الصف المعارض للخيارات التي قد تلجأ إليها في المستقبل القريب بخصوص مشروع الرئاسيات، الذي لا يفصلنا عنه الشيء الكثير، وعليها إبعاد أتباع هذا التيار من منطقة الصدام المحتملة بين السلطة وخصومها".
خيارات مطروحة
وبحسب الباحث في الإسلاميات، سعيد جاب الخير، فإن هناك نوعين من السلفيين في الجزائر، "فريق منهم يسمي نفسه التيار الحركي، ويغلب التطرف على مرجعيته وأدائه، وهو التيار الذي يقوده الزعيم السابق في حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة، علي بن حاج، وتيار آخر يطلق عليه السلفية العلمية، يقوده محمد علي فركوس".
ويرى المتحدث أن "الفريق الأول غير مرغوب فيه بالجزائر على خلفية خطابه المتشدد، وعدائه المستمر للسلطة، منذ الأزمة السياسية التي عرفتها الجزائر بداية من 1992، أما السلفية العلمية، التي، ترفع شعار تحريم الخروج عن الولي فتلقى دعما في الساحة".
ورغم الخلاف الموجود في مرجعية هذين التيارين السلفيين، إلا أن جاب الخير يؤكد على التقائهما في نقطة "التسويق للفكر المتعصب والإقصائي"، رغم إنكار الفريق الثاني، أي ما يسمى "السلفية العملية"، لأعمال العنف، حسبما يظهر من خطاباته.
ويشير المتحدث ذاته إلى أن رغبة السلطات الجزائرية في التقرب من هذا التيار ليست جديدة ولا وليدة اليوم، بل سبقتها إشارات قوية من طرف مسؤولين آخرين.
ويعتقد المسؤول السابق بوزارة الشؤون الدينية، عدة فلاحي، أن مشروع فتح قنوات حوار جديدة مع التيار السلفي في الجزائر، مهما اختلفت أسبابها وخلفياتها، "هو مجرد مضيعة للوقت".
مبرر فلاحي وراء طرحه هذا الموقف هو البنية الفكرية للجماعة السلفية، وأيضا "بسبب مرجعيتها الفقهية والعقدية التي تجعل منها كائنا جامدا يرفض التكيف مع مقتضيات الدولة المدنية الحديثة".
"ممكن أن يساعد رفض السلفيين الخروج عن الولي السلطة في الجزائر، لكنه يعتبر مبدأ مناقضا للديمقراطية وقاتلا للرأي الآخر"، يقول المتحدث نفسه.
ويضيف عدة فلاحي نقطة أخرى يرى بأنها كفيلة بإفساد مساعي السلطة، تتمثل أساسا في "المواقف المتعصبة للسلفيين، وعدم اقتناعهم واحترامهم للرأي المخالف".
المصدر: أصوات مغاربية