دمار وخراب، هلع ودموع، وأسر مشردة بدون مأوى ولا معين. هي مشاهد ليست لمنطقة تعرضت لزلزال عنيف أو عمليات تخريب، بل لمجرد قطرات مطر كانت كافية لتسقط سقوفا على رؤوس أصحابها، ولتغدو بعض منازل المدينة العتيقة بالدار البيضاء محض صور من الماضي.
كريمة: لا منزل ولا هوية
حي بن حمان هو أحد أحياء المدينة القديمة. شهد هذا الحي، يوم السبت الماضي، انهيار 5 منازل دون سقوط ضحايا.
قبل انهيار المنازل الخمسة بأسبوع، حدث انهيار مشابه تسبب في وفاة شابة تبلغ من العمر 17 سنة.
سبب تداعي منازل المدينة القديمة بالعاصمة الاقتصادية للمغرب مرتبط بوجود عدد منها في وضعية متردية، إذ لا تستطيع حتى مقاومة أمطار تنخر بنيانها الهش وتهدها بالكامل.
"أصبحنا غرباء.. لا منزل، لا ذكريات، لا هوية.. أصبحنا لا شيء"، هكذا تلخص كريمة حالتها بعد أن تهدم بيتها، حاملة معها بعضا من متاعها التي استطاعت سحبه لحظات قبل الانهيار.
ما زالت كريمة تحاول، منذ ليلة السبت المخيفة، انتشال غطاء يقي ابنتها من شر برد مارس، أما وثائقها الإدارية والأوراق المثبتة لهويتها فظلت تحت الأنقاض.
لم تستطيع كريمة تجاوز الصدمة، تقول: "لا نعلم إن كنا فعلا على قيد الحياة أم نحلم، كنا نرى مثل هذا الوضع في سورية، الفرق الوحيد بيننا وبينهم أنهم يخشون هناك القنابل، أما نحن فنخشى الشتاء".
أغلب سكان الحي الذي تقطنه كريمة، كما توضح، لا يملكون ما يشترون به بيتا آخر بدل منازلهم المتهالكة. لذلك، ينتظرون إلى حين اتخاذ السلطات حلا لوضعهم.
رشيد: نحن بين الموت والتشرد
رشيد، 40 عاما، أحد جيران كريمة. ما زالت أعراض هلع ليلة السبت بادية عليه. هو الآخر يقيم في بيت مهدد بالسقوط في أية لحظة.
جدران بيته ما زالت صامدة منذ 30 سنة، لتحمي نحو عشرين فردا يتكدسون في ثلاث غرف أو أقل، حتى حين.
"السلطات تخيرنا بين الموت أو التشرد، فمن يريد أن ينجو بحياته يجب أن يشتري شقة بـ20 ألف دولار، دون أي تعويض عن الضرر"، يقول رشيد، مضيفا: "المعاناة تمتد على طول فصول السنة، لكنها تشتد في فصل الشتاء".
بدأ اليأس يدب في رشيد. يتضح ذلك من كلامه. يقول: "البعض يقول إن المغرب بلد آمن، عن أي أمن يتحدثون ونحن لا نشعر به حتى في بيوتنا؟.. البيت هو الراحة، الدفء والأمان.. هنا لا نشعر بالأمان وكأننا لسنا مواطنين".
عبد الإله: ننتظر الموت
"انهار منزلك".. رسالة هاتفية نصية توصل بها عبد الإله، أحد السكان المتضررين، كانت إيذانا بانقلاب جارف في مسار حياته. هُرع عبد الإله فور توصله بالرسالة مسرعا نحو حيه لإنقاذ زوجته وأولاده.
يروي عبد الإله بمرارة وقع الفاجعة قائلا: "يمكن أن تكون لديك مشاكل عديدة في حياتك، لكن على الأقل تجد مكانا تفكر فيه عن حل لها، وفي النهاية تضع رأسك على وسادة وتنام".
لم يعد لعبد الإله، كما يقول، حتى بيت يحتمي به ليفكر في مشاكله ومستقبل حياته الذي صار مفروضا أن يبدأ، منذ الآن، بالبحث عن منزل.
"نحن لم نعرف طعم النوم منذ سنوات، لا ننتظر شيئا من السلطة بل ننتظر الموت، ربما نجونا منه هذه المرة، لكن في المرة القادمة سيكون الأمر أسوأ بكثير"، يستطرد عبد الإله.
المصدر: أصوات مغاربية