بعيون عسلية مُكتحلة، وجسد يلتحف قفطانا ملونا، وخدود حمراء متورد، وغطاء رأس بأهداب أنيقة، تطل فاطمة، إحدى النساء الأمازيغيات اللاتي يحافظن على إطلالتهن المميزة لثقافتهن.
غير أن أبرز ما يشد النظر في مظهر فاطمة المتأنق هو قطع حلي فضية تُزين معصمها ورقبها وتحيط بخصرها، وهي قطع تحرص أمازيغيات سوس على الظهور بها في المناسبات الاحتفالية، وخصوصا بمنطقة تزنيت، بجنوب المغرب. إنها الفضة، أو "النقرة"، سر جمال أمازيغيات سوس.
مهد الفضة
تعد مدينة تزنيت أشهر مدن المغرب في إنتاج الفضة وصقلها. وفي قرية أنزي تحديدا، يوجد منجم كبير لاستخراج هذا المعدن الذي يتولى صائغون مهرة تحويله إلى قطع فنية، كما تعلمون قبل سنين طويلة، على أيدي يهود مغاربة احترفوا سبر أغوار المعدن الأبيض.
في جل أرجاء مدينة تزنيت هنالك محلات بيع مجوهرات الفضة، أو "النقرة" كما تسمى محليا.
من مدخل المدينة المزين بـ"خلالة"، وهي قطعة حلي فضية ترمز لارتباط صياغة الفضة بتزنيت، مرورا بأسواق الصناعة التقليدية بساحة المشور السعيد، وسط أسوار المدينة العتيقة، وصولا إلى حفلات الأمازيغ ومجالسهم التي تبرز فيها نسوة مرتديات حلي "النقرة.
الصائغ ورئيس مهرجان "تميزار" للفضة في مدينة تزنيت، عبد الحق الرخاوي، يكشف، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، جوانب من تاريخ ارتباط المدينة بالفضة. القصة بدأت، كما يروي الرخاوي، مع يهود مغاربة.
"اليهود كانوا هم أسياد الصائغين في مدينة تزنيت، فهم أول من اكتشفوا منجم الفضة في أنزي واستخرجوا منه المعدن، ثم بدؤوا في صياغته، وتتلمذ مغاربة مسلمون بعدها على أيديهم"، يحكي عبد الحق الرخاوي.
بعد هجرة ليهود بالمنطقة ووفاة الأقلية التي ظلت تقيم في المدينة، كما يوضح الرخاوي، بدأ الصناع المحليون المسلمون في تطوير حرفة صياغة الفضة، فأسسوا مجموعة من الأسواق في ساحة المشور السعيد في المدينة العتيقة، ووِرشا لسك وتشكيل قوالب الحلي.
تمر صياغة الحلي الأمازيغية، وفق توضيح رئيس مهرجان الفضة في تزنيت، عبر مراحل تبدأ من استخراح المعدن من المنجم. يكون حينها على شكل حبيبات يجري إذابتها تحت درجة حرارة مرتفعة وتشكيلها في سبائك.
بعد ذلك، تبدأ عملية صنع القوالب التي ستتشكل الحلي على شكلها، وفي الأخير، تأتي مرحلة التزيين والنقش وترصيع المسكوكات بحجارة تزيين.
زينة الأمازيغيات
"المرأة الأمازيغية في مدينة تزنيت هي من تصمم حليها، تحدد القالب الذي تريده ونوع النقش والرسومات والألوان، والصائغ ينفذ طلبها اعتمادا على عدد كيلوغرامات الفضة التي يحتاجها الطلب"، تقول فاطمة سوسي، التي تشتغل في مجال تزيين العرائس، كاشفة سر ارتباط الأمازيغيات بالفضة وتفضليهن لها.
وتوضح فاطمة أن طقم مجوهرات الفضة هو من أبرز مكونات حلي زينة العروس الأمازيغية، فالعائلات في مدينة تزنيت والمناطق المجاورة لها تحرص، كما توضح فاطمة، على أن تهدي بناتها العرائس طقما فضيا، إما مستعملا من طرف أم أو جدة العروس، أو يشتريه الأب أو الزوج.
ويتكون طاقم حلي المرأة الأمازيغية من "تازرزيت"، وهي عبارة عن قطعتين توضعان تحت الكتفين، و"ايسيرسل"، وهي القطع الدائرية التي تزين الرأس وتتدلى منه باتجاه الجبهة، و"تاكوست"، وهو حزام الخصر، ثم "دواويح"، وهي الأقراط.
ولكل قطعة من هذه الحلي الفضية دلالة عند المرأة الأمازيغية، كما يكشف الصائغ عبد الحق الرخاوي، إذ إن بعض القطع تستعمل لغرض وظيفي، كـ"تازرزيت"، والتي يتجلى دورها في تثبيت القفطان.
أما التاج فهو يدل على أن الفتاة التي ترتديه عزباء لم يسبق لها الزواج، في حين يدل ارتداء العروس لخاتم بسيط غير المرصع ولا المنقوش، كما يبرز رخاوي، على أن هذه العروش هي أرملة أو مطلقة، ولا مانع لديها في الزواج مرة أخرى.
المصدر: أصوات مغاربية