من بين أكثر الشخصيات الاقتصادية المؤثرة في المغرب. يشرف على إحدى أكبر المؤسسات العمومية مساهمة في الناتج الداخلي، لكن خروجه في وسائل الإعلام يبقى نادرا.
مصطفى التراب، المدير العام للمجمع الشريف للفوسفاط في المغرب، الذي تأسس سنة 1920، إبان خضوع المغرب للاستعمار الفرنسي، كما أنه يعد أول مُصدر عالمي للفوسفاط الخام، وأحد أبرز الفاعلين في صناعة الأسمدة الصلبة.
رأى التراب النور عام 1955 في مدينة فاس، وسط المغرب، حصل على ماجستير في الهندسة سنة 1982 من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية، قبل أن يتوج مساره الأكاديمي بالحصول على دكتوراه من المعهد ذاته سنة 1990.
مصطفى التراب هو أيضا خريج المدرسة الوطنية للطرق والقناطر بباريس، التي تخرج منها وزراء ومسؤولون مغاربة كثيرون.
دراسته في الولايات المتحدة مكنته من نسج علاقات قوية هناك، بعد أن اشتغل خلال سنوات الثمانينات في شركات أميركية.
اقرأ أيضا: في المغرب.. أين تذهب أموال الفوسفاط؟
قبل أن يتم تعيينه على رأس المجمع الشريف للفوسفاط، شغل التراب عددا من المناصب والمسؤوليات، كان أبرزها رئاسة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات المغربية، ومكلفا بمهمة في الديوان الملكي، بالإضافة إلى عمله في عدد من الشركات والمؤسسات الدولية، كان أبرزها البنك الدولي.
الأهمية التي يحظى بها المجمع الشريف للفوسفاط المعروف اختصارا بـ"OCP"، لا تقتصر فقط في مساهمته في الإنتاج الداخلي في المغرب، والعائدات المالية التي تجنى منه، وإنما أيضا باعتباره أحد أبرز الأذرع الاقتصادية للمملكة في الخارج، خصوصا في القارة الأفريقية.
حسب آخر الأرقام الواردة في التقرير المالي السنوي للمكتب الشريف للفوسفاط، فقد حصل المغرب على إيرادات من تصدير الفوسفاط نحو الخارج في سنة 2016، تبلغ أكثر من 42 مليار درهم، أي ما يزيد عن 4 ملايير دولار.
رجل المهمات
في المقابل يعتقد الخبير الاقتصادي، المهدي فقير، أن التراب "طبع" ببصمته تاريخ المجمع الشريف للفوسفاط، ونقله من مجرد شركة تابعة للدولة، إلى عملاق اقتصادي له فروع في مختلف البلدان عبر العالم.
"التراب رجل تقانة من العيار الثقيل، وخبير في العمل الاستشاري والإداري"، يقول فقير في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، مرجعا ذلك إلى كونه تخرج من مدرسة "إم أي تي" الأميركية، فضلا عن اشتغاله في كبريات المؤسسات الدولية، ما جعله يراكم خبرة في مجال التدبير.
التراب يحاضر في معهد "إم آي تي".
ويصنف فقير، مؤسسة المجمع الشريف للفوسفاط، على أنها أفضل مؤسسة عمومية في المغرب، "خصوصا وأنها كانت أول مؤسسة مغربية تعتمد معايير الجودة منذ سنة 1983، وكانت من الأوائل التي تعتمد هذه المعايير في أفريقيا"، فيما يعتبر أن "التراب مكن المجموعة من تطوير الاستخراج وتكرير الفوسفاط بشكل أكبر"، ما يجعل هذه المؤسسة هي الوحيدة القادرة على الاستدانة دوليا دون ضمانات من الدولة.
"مؤسسة خرساء"
نادرا ما يخرج المدير العام لـ"OCP" في حوارات صحفية، مع وسائل الإعلام المغربية، في حين كانت له خرجات قليلة، مع مجموعة من وسائل الإعلام الدولية، خصوصا الفرنسية منها.
يعتبر أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، أن "المجمع الشريف للفوسفاط من المؤسسات التي لا يطالها القانون، شأنها في ذلك شأن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية"، حيث "لم يخضعا لتدقيق قضاة المجلس الأعلى للحسابات، ولا يعرف عنها الكثير".
ويشير العلام في حديث لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن تسمية المؤسسة بـ"المكتب الشريف للفوسفاط"، تجعلها أكثر حصانة وتتبع مباشرة للقصر، ما يجعلها "خارج المحاسبة"، وحتى وإن كان المكتب شركة، فإنه يبقى مؤسسة وطنية، والقانون يجيز على الأقل محاسبتها من قبل البرلمان، يقول أستاذ القانون.
ويتساءل العلام عن أسباب "عدم المحاسبة" فيما يخص توقيف سفينة للفوسفاط في جنوب أفريقيا، دون القيام بأي رد فعل.
"الأمر لا يتعلق بالتراب وليس بشخصه فقط، وإنما هناك نوع من الهالة التي تحاط بالمؤسسة التي يرأسها ما يجعلها خارج الرقابة"، يقول العلام، مضيفا أنها "مؤسسة خرساء لا تحكي ولا يحكى عنها، ولا يعرف عنها الكثير مثل الصناديق السوداء ومؤسسة الجيش".
سياسة هجومية
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن زهر المغربية، محمد ياوحي، فيقول إن "التراب إطار كبير جاء من البنك الدولي، وذو خبرة كبيرة في المجال المالي والتسويق، ومنذ قدومه تحول المجمع من شركة تملك الدولة منها حصة 95 في المائة، إلى شركة مجهولة الاسم سنة 2008".
ويتحدث ياوحي في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، عن عدد من الإنجازات التي حققها المجمع خلال فترة إدارته من قبل التراب، "إذ تم الاعتماد على سياسة تجارية هجومية، بفتح فروع في مختلف أنحاء القارة الخمس لتسويق منتجاته، وتخفيض التكاليف، وتشييد أنبوب فوسفاط بين خريبكة والجرف الأصفر بطول 240 كيلومترا".
التراب في مؤتمر السياسة العالمية
ويتابع الخبير الاقتصادي بالتأكيد على أن ما يساهم في خفض التكاليف بخمسين في المائة، وكذلك الزيادة في حجم الفوسفاط المكرر ومشتقاته، هو استخراج الفوسفاط من مناجم مفتوحة، وكونها من النوع الجيد.
ويثني المتحدث ذاته، على المجمع الشريف للفوسفاط، بالقول إنه يستحوذ على 19 في المائة من الصادرات المغربية، ويشغل 21 ألف عامل في مختلف التخصصات، كما يتحكم في ثلث الأسواق الخارجية من الفوسفاط، ويعد من 5 أبرز مصدرين للأسمدة الكيماوية في العالم.
المصدر: أصوات مغاربية