عبد الله محند أويحي، أو "موحيا" كما يفضل أمازيغ القبائل تسميته. هو مسرحي وشاعر جزائري من منطقة القبائل.
اهتم هذا الأديب الأمازيغي الجزائري بالموروث الثقافي الأمازيغي طيلة سنوات نشاطه، عبر ترجمته للعديد من الأعمال المسرحية العالمية، كما ألف العديد من الحكايات القصيرة والأشعار التي ما زالت متداولة لغاية اليوم.
من القبائل إلى ستراسبورغ
"موحيا" من مواليد الفاتح نوفمبر 1950. ترعرع بمنطقة "عزازقة" بالقبائل الكبرى، قبل أن تنتقل عائلته إلى تيزي وزو، حيث تدرج في الفصول الابتدائية بالمدرسة، وهناك درس بثانوية العقيد عميروش التي تحصل بها على شهادة الباكالوريا سنة 1968.
بعدها انتقل هذا الأمازيغي الجزائري إلى العاصمة، حيث حصل سنة 1972 على شهادة "الليسانس" في الرياضيات، عن جامعة الجزائر.
وفي سنة 1973، نجح "موحيا" في امتحان الدخول للمدرسة الفرنسية العليا لمهندسي الري بستراسبورغ، وهو سبب انتقاله للعيش بفرنسا. هنا بدأت رحلته مع الترجمة والمسرح والشعر.
ترجم "موحيا" عديد المسرحيات، من اللغة الفرنسية والإيطالية والإنجليزية إلى الأمازيغية، مثل "آم وين يرجان ربي" (في انتظار غودو)، للمسرحي الإيرلندي، صامويل بيكيت، و"تاشباليت" (الجرّة)، للإيطالي لويجي بيرانديللو، و"الطبيب رغما عنه" للمسرحي الفرنسي موليير، إلى جانب مسرحية "النجاح" للصيني لي كزون.
خازن ذكريات القبائل
بترجمته لأعمال مسرحية عالمية، حاول "موحيا" مد جسور التواصل بين الثقافة العالمية والإرث الأمازيغي، على حد قول الناشطة الأمازيغية، حياة عبّة.
وفي حديث لـ"أصوات مغاربية"، تكشف عبّة أن "موحيا"، ورغم تغني بعض الأمازيغ بأعماله ضمن قطع موسيقية، ما زال غير معروف في الأوساط الفنية الجزائرية على وجه العموم.
"لماذا لا نجد اهتماما بهذه الشخصيات من طرف وزارة الثقافة؟ أراهن على أنهم لا يعرفونه"، تقول الناشطة الأمازيغية ذاتها قبل أن تردف: "لا بد من نفض الغبار عن رجل من طينة الكبار".
عرض لمسرحية "الجرّة" لـ"موحيا"
وفي سياق التنويه بما قدمه "موحيا" للثقافة الأمازيغية، تُذكِّر حياة عبة بالأعمال العديدة التي سجلها الراحل على أشرطة سمعية، للحفاظ على الثقافة الشفوية للأمازيغ.
"اليوتيوب مليء بمقاطع صوتية له وهو يروي قصص جدّاتنا بطريقة جد مشوقة"، تقول عبة، معتبرة أن ذلك دليل على اعتراف الجيل الجديد بما قدمه "شكسبير الأمازيغ"، على حد وصفها.
من جانبه، يؤكد الفنان المسرحي، محند تامزالت، أن ما قدمه "موحيا" لم يقدمه غيره، خصوصا في مجال الترجمة من اللغات الأخرى إلى الأمازيغية.
وفي حديثه لـ"أصوات مغاربية"، يقول تامزالت: "موحيا لن يموت بما قدم.. ليته ما زال بيننا"، مبديا حزنا عميقا على فقدان من وصفه بـ"أسطورة المسرح الأمازيغي".
محند تامزالت يجزم أن "موحيا" ليس مسرحيا فقط، بل "فيلسوف عصره"، مبررا حكمه بكون هذا الأديب الأمازيغي أصبح اسما يردده الأمازيغ، إلى جانب أسماء مثل سي موح وامحند والشيخ محند والحسين.
ويشير المسرحي نفسه إلى أن كتابات "موحيا" لم تقتصر على ترجمة الأعمال المسرحية، بل تنوع مردوده الثقافي من شعر ورواية وترجمة، وكتابة للموروث الشفوي للقبائل.
"لولا تسجيله لبعض القصص والروايات بطابع مشوق وجذاب، لنسيناها جميعا"، يقول تامزالت بنبرة جازمة.
بحسب الفنان المسرحي، محند تامزالت، فإن "موحيا" لم يكن كاتب مسرحيات ومترجما لها فقط، بل ساهم في ترقية اللغة الأمازيغية حينما كان مدرسا لهذه اللغة بالمركز الأمازيغي الفرنسي لعدة سنوات، "وهو الأمر الذي يجهله الكثير"، يبرز تامزالت.
دوامة النسيان
توفي "موحيا" شهر ديسمبر من سنة 2004، بعد صراع مع السرطان. كان عمره يناهز، حين وفاته، 54 سنة.
ويقول الناشط الأمازيغي، آكلي آث يحيى: "عاش موحيا مغتربا، بعيدا عن وطنه، لكنه كان أقرب الناس إلى قلوب القبائل".
انطلقت أمس فعاليات الأيام المسرحية الخامسة تكريما للكاتب المسرحي الراحل موحيا، حيث سطرت مديرية الثقافة بتيزي وزو... http://t.co/ChOjALi0q1
— Arab Theater Inst (@arabtheaterinst) 7 décembre 2013
"الفنان لا يموت برحيل جسده، لأن أعماله تبقى شاهدة عليه إلى الأبد"، يقول آث يحيى، في حديث مع "أصوات مغاربية"، معتبرا أن هذا الأمر ينطبق على المسرحي والروائي "موحيا".
ويحتج هذا الناشط الأمازيغي الجزائري على ما يصفه بـ"التغييب الذي طال الراحل موحيا"، مبرزا "مكانة الرجل في قلوب الأمازيغ".
"لا يكفي تسمية مسرح باسمه.. يجب أن نعتني بأعلامنا"، يؤكد آكلي آث يحيى، مردفا: "يحضرني هنا قول الوناس معطوب: الشاعر.. هل يمكن أن يموت؟".
المصدر: أصوات مغاربية