عادت مسألة المساواة بين الجنسين إلى الواجهة في تونس، بعدما قرر هذا البلد الذي يعتبر رائدا في العالم العربي في مجال حقوق المرأة، طرح موضوع الميراث المحظور للنقاش إثر اتخاذ سلسلة إجراءات في الآونة الأخيرة.
وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من اعتماد دستور جديد في البلاد سنة 2014، والذي يعتبر أهم مكتسبات الثورة كونه ينص على ضمانات للمساواة بين الرجل والمرأة.
ومنذ سبتمبر أصبح يسمح للتونسيات بالزواج بغير مسلم بعد إلغاء قرار وصفته رئاسة الجمهورية بالعنصري.
الإرث.. أصعب المجالات
في أغسطس الماضي، أثار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في كلمة بمناسبة "عيد المرأة" النقاش مجددا، مؤكدا أن تونس تتجه صوب إرساء مبدأ المساواة في جميع المجالات".
وتشكل المساواة في الميراث أصعب الإصلاحات التي تواجه "لجنة الحريات الفردية والمساواة" التي أحدثها الرئيس التونسي لتفعيل نصوص المساواة التي نص عليها الدستور.
وتقول رئيسة اللجنة بشرى بالحاج حميدة إن "هناك رغبة سياسية حقيقية، ولمبادرة رئيس الجمهورية حظوظ وافرة للمصادقة عليها في البرلمان".
وينص قانون الميراث في تونس، والمستلهم من الشريعة الإسلامية، على أن للرجل نصيبين وللمرأة نصيب واحد من ميراث الأبوين، وهذا معمول به في أغلب الدول الاسلامية، ولكن قلما يطرح للنقاش.
ونهاية مارس وقع المئات من المثقفين في المغرب، عريضة لوضع حد لهذه التفرقة، ولكن لا يزال الرأي العام منقسما.
وفي تونس تكشف عمليات سبر الآراء النادرة، أن أغلبية الأشخاص ضد مبدأ المساواة.
وبالرغم من ذلك، فإن عددا من العائلات يطبق المساواة عن طريق ما يمنحه الأبوان وهما على قيد الحياة للأبناء.
وتظاهر أكثر من 1500 شخص بداية مارس الجاري للتعبير عن رفضهم للجدل الدائر حول المساواة، وهو ما يبين أن النقاش العام لا يزال مطروحا.
آن الأوان..
"لا نستطيع الانتظار"، تقول بالحاج حميدة، وتتابع "دور السياسيين أن يرتقوا بالوعي العام، وقد آن الأوان" لذلك.
ووفقا لمراقبين، لا يزال هناك أمل قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2019، نظرا لسلطة الباجي قائد السبسي القوية، والتوافق الحاصل بين حزب نداء تونس وحزب النهضة الإسلامي.
ويدرك الجميع أن الموضوع حساس، فقد أرجأت "لجنة الحريات الفردية والمساواة" التي تأسست الصيف الماضي، نشر مقترحاتها إلى يونيو تجنبا للتأثير على الانتخابات البلدية المرتقبة في مايو القادم.
وتفسر بالحاج حميدة، النائبة عن حزب نداء تونس، الإرادة في إرساء مبدأ المساواة برغبة الرئيس السبسي في "ترك أثر مهم للتاريخ" والسير على نهج الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس المستقلة، والذي أورث التونسيين مجلة الأحوال الشخصية.
وتمنح المجلة التي اعتمدت منذ 1956 للتونسيين، حقوقا غير مسبوقة في العالم العربي.
نهاية قوامة الرجل؟
ولم تشأ اللجنة الكشف عن مقترحاتها، ولكن هناك قانون سابق لها لم يناقش، يقترح أن يتم إرساء مبدأ المساواة بين الورثة بموافقة أفراد العائلة.
وتؤكد أستاذة الحقوق والناشطة في مجال حقوق المرأة سناء بن عاشور أن "هناك عناصر مواتية سياسيا لإجراء إصلاح"، وتستدرك "لكن الأمر ليس بهذه السهولة، لأنه سيمس من التراث المتناقل منذ آلاف السنين".
وتوضح بن عاشور "هناك عمل تربوي كبير يجب أن نشرك فيه كل المسلمين الملتزمين بالدين".
وإضافة لمسائل الميراث، فإن "لجنة الحريات الفردية والمساواة" ستقترح مطالبة بتغيير قانون دور الأب كمعيل للأسرة، والموكل اليوم للرجل وكذلك مسألة منح اللقب والجنسية.
كما ستعكف اللجنة على نحو 2500 من النصوص، التي اعتبرتها غير دستورية، على غرار اللجوء للفحص الشرجي الخاص بالمثليين، وكذا النصوص المتعلقة بعقوبة السجن بتهم "خدش الحياء".
المصدر: وكالات.