Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

لم ينس جزائريون ألم أحداث العشرية السوداء
لم ينس جزائريون ألم أحداث العشرية السوداء

"حتى الكلب، عندما يموت، يحفرون له قبرا لدفنه، لكننا لم ننل الحظ نفسه".. هذا ما جاء على لسان أفراد عائلات جزائريين ظلوا مختفين منذ أحداث العشرية السوداء.

حدة.. قلب اكتوى ثلاث مرات

عندما شرعت حدة بوعلية (74 سنة) في سرد قصتها، لم تتوقف عن البكاء، تعبيرا عن الأسى والحزن على فقد زوجها، وغموض مصير ابنيها.

لم تأخذ قصة اغتيال زوجها حرقا على يد مجموعة إرهابية في "مجزرة الرايس"، التي راح ضحيتها، وقتذاك، أكثر من 230 شخص، حيزا كبيرا من حديثها. ظلت دموعها تغالب كلماتها التي اقتصرت على حكي ألم فقدان ابنيها، صالح وسعاد.

تقول حدة إنه بعد انتساب ابنها صالح إلى جهاز الشرطة، سنوات التسعينات، أصبح يخشى زيارة بيت العائلة، على اعتبار أن الحي الذي تقطنه الأسرة كان تحت سيطرة الجماعات المتشددة.

حدة بوعلية
حدة بوعلية

​​لهذا، كانت حدة تزور ابنها، مرارا، في مقر عمله في "حي الحميز"، بالعاصمة الجزائر، بعدما توعده قيادي بجماعة متشددة بالذبح إن لم يغادر سلك الشرطة.

منذ ذلك الحين، تؤكد حدة لـ"أصوات مغاربية"، فُقد الاتصال مع ابنها، لتبدأ رحلة البحث عنه في كل الأمكنة، بدءا من جهاز الشرطة الذي كان ينتمي إليه، لكن دون جدوى.

لم تمض إلا أشهر قليلة، حتى واجهت حدة نازلة أخرى، باختطاف ابنتها سعاد، من أمام المدرسة المجاورة لبيتها، وهي في عمر 24 سنة.

وبحسب المعلومات التي جمعتها حدة عن ابنتها في تلك الفترة، فإن سعاد اقتيدت إلى غابة "الشاطو"، وتم جلدها 80 جلدة، قبل نقلها إلى مكان مجهول.

كثفت حدة الركض في مضمار أجهزة القضاء والإدارات، إلى أن بلغتها معلومات تشير إلى أن متشددا يعلم بحيثيات اختطاف سعاد، سلم نفسه.

تقول حدة: "عندما وقفت مع (...)، ابن شقيقة 'الأمير' المشهور باسم كرطالي، أمام المحكمة، اعترف أن ابنتي سعاد قُتلت على يد جماعته".

بعد مرور كل هذه السنوات، تفيد حدة بأنها ما زالت تجهل قبر ابنتها سعاد وابنها صالح، المحسوبين في قائمة الموتى، طبقا للوثائق الرسمية.

"روحا ابنيَّ حيين بداخلي طوال هذه الفترة.. آمل في التعرف على قبرهما قبل أن يخطفني الموت"، تقول حدة.

فاطمة.. بحث لا نهاية له

بعد سنة 2006، دأبت عائلات مفقودي العشرية السوداء على تنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية منتظمة أمام مؤسسات حكومية، للمطالبة بكشف حقيقة ذويهم المختطفين.

من بين أفراد هذه العائلات، فاطمة الزهرة بوشرف، التي صادفتها "أصوات مغاربية" بمقر جمعية (SOS مفقودين)، عقب إحدى وقفات أهالي المفقودين أمام مجلس حقوق الإنسان.

لا تزال حرقة فراق ابنها رياض (21 سنة) تضطرم في صدرها، كما تقول حين استرجاعها شريط الحدث المؤلم.

​"في شهر يوليو 1995، تم اعتقاله رفقة اثنين آخرين في حي العناصر الذي نقطن به"، تقول فاطمة.

فاطمة الزهرة بوشرف تحمل صورة ابنها المفقود
فاطمة الزهرة بوشرف تحمل صورة ابنها المفقود

​​بعد 16 يوما، تم إطلاق سراح الشابين الذين اعتقلا مع ابنها. أحدهما روى لفاطمة، كما تقول لـ"أصوات مغاربية"، أنه تم اقتيادهم إلى حديقة الحيوانات، قبل نقلهم إلى زنازن فردية.

على ضوء تلك المعلومات، شرعت فاطمة في رحلة البحث عن ابنها في مقرات الشرطة والسجون، كما اتصلت بوزارة العدل والخارجية، وبلغ بها الأمر حد مراسلة وزير الداخلية ورئيس الحكومة.

توضح فاطمة أنها عرضت قضية ابنها على المحكمة، وكان رد الأخيرة، في كل مرة، بهذه الجملة: "انتفاء وجه الدعوى والتحقيق جارٍ في القضية".

بقي ملف رياض، ابن فاطمة، يرواح مكانه إلى غاية 2005، عندما حصلت محاميتها، كما تؤكد، على شهادة موثقة لشاب، يشهد فيها بأن "رياض أصيب بمرض بعد 13 يوما من التعذيب، وتوفي في الزنزانة".

أم عزيز.. مطاردة الماضي

في أحداث العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر، لم يكن الاختفاء مقتصرا على فئة دون غيرها، بل شمل كل فئات المجتمع.

مثال ذلك قضية عزيز بو عبد الله، المزداد سنة 1974، والذي كان يعمل صحافيا بجريدة "العالم السياسي". تقول والدته إن ابنها اختُطف من المنزل الكائن بحي "شوفالي" سنة 1997 .

"في منتصف الليل، قبل عيد الأضحى بيومين، اقتحم المنزل ثلاثة رجال يرتدون بدلات كلاسيكية رسمية، يحملون في أيديهم مسدسات، عرفوا أنفسهم بأنهم من أفراد الأمن"، تقول والدة عزيز.

والدة الصحفي المختفي عزيز بو عبد الله
والدة الصحفي المختفي عزيز بو عبد الله

​​​​​​وفي معرض حديثها لـ"أصوات مغاربية"، تضيف الأم: "اقتادوا ابني، بملابس النوم، إلى وجهة غير معلومة".

في اليوم الموالي، أبلغت أم عزيز الجهات الأمنية ومنظمات حقوق الإنسان وزملاءه في المهنة، بما وقع لابنها.

حاولت أم عزيز، بشتى الوسائل، الوصول إلى الجهة التي تقف وراء اختطاف ابنها، فاستعانت بقريب لها يعمل في سلك الشرطة.

بعد أيام من التحري، تقول أم عزيز، توصل قريبها إلى معلومات تفيد بأن ابنها تعرض للتعذيب، كما اعترف لها بذلك أحد مسؤولي الأمن في وقت لاحق، على حد قولها.

كانت أم عزيز متمسكة بأمل رجوع ابنها إلى أحضان عائلته، عقب ورود معلومات من قبل قريبها باحتمال إطلاق سراحه.

منذ ذلك الحين، تنتظر أم عزيز إطلالة يوم جديد بكثير من الأمل، تترقب خلاله ظهور ابنها، غير أن هذا الأمل تلاشى عقب علمها بوفاته. الآن هي تقضي بقية حياتها في مطاردة تفاصيل ما حدث.

20 ألف مصير غامض​

يعد ملف المفقودين أو "المختطفين قسريا"، من مخلفات الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر سنوات التسعينات. صفحات هذا الملف لم تطو بعد.

ورغم الشروع في تطبيق تدابير ميثاق السلم والمصالحة، الذي جاء به الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، غير أن أمهات يبحثن عن مصير أبنائهن لم يتوصلن بجواب بعد.

اقرأ أيضا: رئيسة منظمة ضحايا الإرهاب: طوينا الصفحة لكن لم نمزقها!

ولدعم ومساندة المتضررين من الأزمة، تشكل تنظيم سنة 1998 بباريس، من طرف مجموعة من عائلات المفقودين، وأطلق عليه اسم "أس أو أس مفقودين".

للغرض نفسه، تأسست تنظيمات أخرى، على غرار "التنسيقية الوطنية لعائلات المختطفين"، المتكونة من تحالف الجمعيات الناشطة في هذا المجال، بحسب المكلفة بالإعلام في التنسيقية، وسيلة بلطرش.

وتقول بلطرش، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن التصريحات الرسمية الواردة من اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان سنة 2006، تفيد بأن هناك 7200 مختطف.

غير أن تنسيقية "عائلات المختطفين"، أحصت، بمعية منظمات حقوقية، كما تكشف وسيلة بلطرش، ما لا يقل عن 20 ألف مختطف، منهم 1200 حالة في ولاية قسنطينة لوحدها.

قائمة بصور عدد من المفقودين من زمن العشرية السوداء
قائمة بصور عدد من المفقودين من زمن العشرية السوداء

وتناضل هذه التنظيمات، بحسب وسيلة بلطرش، من أجل معرفة مصير "المختطفين"، مشيرة إلى أن عائلات المفقودين "ترفض الإفلات من العقاب، حتى لا يصير الاختطاف أسلوبا لقمع الحريات".

إمكانية المتابعة

ملف المفقودين أو "المختطفين قسريا"، كان من بين الأسباب التي دفعت السلطة لسن قانون السلم والمصالحة، كما يوضح المحامي عبد الغني بادي.

ويبرز بادي أن السلطات وضعت إجراءات بغية غلق الملف نهائيا، من خلال تعويض العائلات المتضررة من اختفاء ذويها، "حتى أنها لجأت إلى سن قوانين تسهل الحصول على التعويض، وعلى التصريح بالفقدان".

ويؤكد المحامي الجزائري، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن هناك تدابير خاصة عن طريق القضاء للحصول على وثائق فقدان مقربين، إلى جانب إجراءات لإصدار أحكام بـ"الموت الحكمي"، الذي يعني تأكيد وفاة مفقودين.

عائلات مفقودين في وقفة احتجاجية سابقة
عائلات مفقودين في وقفة احتجاجية سابقة

​​غير أن إمكانية متابعة السلطات الأمنية في حال الاشتباه في ارتباط اختفاءات بالشرطة، يظل غير واد، كما يؤكد المحامي بادي، الذي يبرز أن القانون الجزائر "يمنع أية متابعة ضد الدوائر الأمنية، حتى وإن وجدت أدلة ضدها".

"حتى في حال تقدم أحد أفراد أسر المفقودين بشهادة ضد جهة معينة أو أشخاص معينين يشتبه في تورطهم، فإنه عادة ما يتم حفظ الملف على مستوى جهات النيابة، لوجود نص يمنع من مباشرة الإجراءات القانونية"، يردف المتحدث ذاته.

وفي تقدير المحامي، فإن هذا الملف لا يمكن معالجته إلا وفق الآليات المعتمدة في تجارب دول عدة، ضمن ما يسمى بـ"العدالة الانتقالية".

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة