قبل 56 عاما غادر الشاب اليهودي الفرنسي، إنريكو ماسياس، مسقط رأسه الجزائر، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، غادرها رفقة من باتوا يُعرفون بـ"الأقدام السوداء".
"حسرةً على ذلك الفراق، كتبتُ كلمات أغنيتي المفضّلة "غادرت موطني، وأنا على متن الباخرة"، يقول ماسياس في تصريحات إعلامية.
الحي اليهودي
ولد إنريكو ماسياس Enrico Macias، واسمه الحقيقي غاستون غريناسيا Gaston Ghrenassia، في مدينة قسنطينة (شرق الجزائر) في 11 ديسمبر 1938.
رأى ماسياس النور في "حي الشارع"، وهو حي يهودي في قسنطينة، فيه ترعرع وفي مدارس المدينة تعلّم.
كان والده سيلفان غريناسيا عازف كمان، في جوقة موسيقى عربية بقيادة الشيخ ريمون، الذي سيصبح صهره فيما بعد، ومن شدّة ولعه بالموسيقى، أدخل الأب سيلفان ابنه غاستون (ماسياس)، إلى الجوقة وهو دون الـ15 سنة.
في العام 1954 اندلعت الثورة الجزائرية، وكان ماسياس وقتها في ربيع عمره السادس عشر، وأفضى كفاح الجزائريين إلى استقلال بلدهم سنة 1962، وهي السنة التي غادر فيها ماسياس الجزائر رفقة عائلته.
إلى فرنسا وصل ماسياس، والتي يعتبرها إلى اليوم "منفى صباه"، حيث يقول "أنا مغني المنفيّين".
حلم الزيارة الأوّل
ظل حلم زيارة الجزائر يراود ماسياس، وكان يتطلع في السابعة والثلاثين من عمره إلى زيارتها رفقة الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، سنة 1975، وهي أول زيارة لرئيس فرنسي إلى الجزائر المستقلة.
وازدادت رغبة ماسياس عندما علم أن ديستان سيزور مسقط رأسه قسنطينة أيضا، لكن السلطات الفرنسية أخطرته بأن هذه الزيارة "مهمة وهي تمهيد لإقامة علاقات قوية بين البلدين، والأفضل تأجيل حلمه إلى أن يتم جس نبض الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين"، وفعلا لم يزر ماسياس قسنطينة واستقبل بومدين نظيره الفرنسي في مطار العاصمة ورافقه إلى قسنطينة.
سنتين بعد زيارة ديستان، دفع الشوق ماسياس إلى أن يطلق أغنية بعنوان "قسنطينة"، بيعت في الجزائر وأرفقها بأغنية أخرى بعنوان "فرنسا صِباي".
بوتفليقة.. والمعارضون
فشل ماسياس مرة ثانية في زيارة الجزائر رفقة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران عام 1984، بعدما اقترح نفسه مع الوفد الثقافي، ولم يزرها مع ميتران مرة ثالثة سنة 1989، ولم يصدر أي تعليق يوضح حقيقة ما حدث.
مع تولّي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقيامه بأول زيارة إلى باريس سنة 1999، استغل أنريكو ماسياس الحدث والتقى الرئيس، وطرح مشكل عودته لأول مرة أمام رئيس جزائري، وردّ بوتفليقة عليه بأن "أبواب الجزائر مفتوحة أمام الجميع."
بعد هذه الحادثة بشهور قليلة، وتحديدا في مطلع العام 2000، بدأت التحضيرات في مدينة قسنطينة لزيارة ماسياس، لكن وزير الخارجية الأسبق عبد العزيز بلخادم ووزير الإعلام الأسبق محي الدين عميمور عارضا زيارة الفنان.
ويقول عميمور في مقال له "لقد عارضنا زيارته من موقف وطني".
وكتب عميمور أيضا "ماسياس أدلى بتصريحات للإعلام الفرنسي، طالب فيها باعتذار الجزائر عن مقتل صهره، الذي أعدمته الثورة الجزائرية!؟".
مُنع أم لم يُمنع؟
في ديسمبر 2007 حل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالجزائر وجرت محاولات للتسويق لإمكانية مرافقة ماسياس له لكن الزيارة لم تتم، ثم جاءت زيارة أخرى للرئيس فرانسوا هولاند، ورغم حديث الإعلاميين الفرنسيين عن إمكانية هذه الزيارة لكنها لم تتم أيضا.
وصرح ماسياس حينها لوكالة الأنباء الفرنسية قائلا "أنا حزين لعدم تمكني من زيارة الجزائر، ولكنني لن أغلق الأبواب"، لكن وزير الاتصال الجزائري الأسبق، ناصر مهل، رد على ماسياس بـتصريحات رسمية قال فيها "ما من أحد منع أنريكو ماسياس من القدوم إلى الجزائر.. الفرنسيون الذين يرغبون في زيارة الجزائر مرحب بهم بمن فيهم أنريكو ماسياس إن أراد ذلك".
واستطرد مهل "أنا أعي ما أقول.. الزيارة ألغيت من طرف ماسياس نفسه وبوسعي أن أقدم له الدليل بأنه هو الذي ألغى السفر وليس الجزائريين"، من جهته يقول ماسياس في تصريحات إنه "يجهل سبب منعه من زيارة الجزائر".
تمكّن ماسياس من الغناء مع فنانين جزائريين في فرنسا وغيرها، أبرزهم: حمدي بناني والشاب خالد والشاب مامي وحسين لصنامي وإيدير وتاكفاريناس، ولا يزال إلى اليوم يحلم بزيارة الجزائر والغناء فيها.
المصدر: أصوات مغاربية