أثار بث الجزء الأول من الفيلم الوثائقي "يهود الجزائر"، للمخرج السعيد كسال، مؤلف كتاب "درب اليهود"، ردود فعل حادة، وسط الرأي العام الجزائري.
وتعرض المخرج لسلسلة من الانتقادات بشأن توقيت عرضه وخلفياته، وفي هذا الحوار يتحدث سعيد كسال عن الفيلم، ويكشف عما جرى من ترتيبات بشأن طريقة ظهور يهود جزائريين في الوثائقي، كما يتحدث عما سيتضمنه الجزء الثاني الذي يعتبره مفتاح شفرة الجزء الأول.
أكثر الأسئلة تداولا بعد عرض الفيلم الوثائقي "يهود الجزائر"، كانت عن غياب اليهود الجزائريين في الوثائقي.. كيف تفسر ذلك؟
لا شك أن المشاهد بدقة، سيلاحظ ظهور بعض اليهود الجزائريين في الفيلم الوثائقي، عبر 3 إشارات غير مباشرة، حيث لم نكشف عن هويتهم، بطلب منهم، وفي بعض التدخلات من الوثائقي كان الأمر واضحا للمشاهد.
لقد تحدث في الوثائقي يهود من الجزائر، ولم نكشف عن ذلك بسبب الشرط الذي وضعوه، خشية تبعات الظهور العلني لهم.
ومعروف أن "يهود الجزائر"، موضوع حساس جدا، وأكبر تحدٍ أن تلتقي بيهود جزائريين، والتحدي الأكبر منه أن تقنعهم بالظهور ولو بشروط، وكان علينا الوفاء بالتزاماتنا أمامهم، وعدم الكشف عن هويتهم الحقيقية.
وحتى بالنسبة لتوقيت البث، فنحن لم نضع في الحسبان بعض المناسبات والمواعيد، والشريط الدعائي للوثائقي كان يبث منذ شهر، وبثه في هذا الوقت لم يتم وفق أي حسابات أو مواعيد تاريخية أو سياسية، ببساطة استهلك كل الوقت للإعلان والترويج له، إلى أن حان موعد بثه.
هل التقيت بيهود جزائريين في الولايات التي صوّرت فيها الوثائقي؟
نعم حدث ذلك، لكن 80 بالمئة منهم توقف التواصل معهم، والبعض منهم أوقف الاتصالات التي كانت تتم عن طريق الوسيط، الذي كان يفاوض من أجل ترتيب لقاءات معهم، وهم أشخاص فاعلون في الجالية اليهودية بالجزائر، والكثير خشي الظهور بوجه أو هوية مكشوفة.
أمر آخر، حتى الوصول إلى المقبرة التي يرقد فيها الحاخام إفراييم بن كاوا، والتصوير فيها كان صعبا، بل يكاد أن يكون مستحيلا، بينما يتناول البعض الملف من زاوية ضيقة.
من خلال عملك على الوثائقي حول يهود الجزائر.. هل الحج إلى ضريح أفراييم بن كاوا ما زال قائما؟
حج اليهود إلى جدهم ما زال مستمرا، لكن في الوقت الراهن يتم بسرية، وأشكال عدة، والحج بشهادة سكان تلمسان عموما، وسكان حي قباسة خصوصا، المجاورين لقبر الحاخام إفرايم بن كاوا، يشهدون ويشاهدون الحجاج اليهود الذين يأتون تحت مسميات مختلفة، لكن بشكل محتشم، والترخيص لهم بالحج، يبقى تقديرا سياسيا للسلطات العمومية.
إذن أين يتواجد يهود الجزائر؟ وهل هناك مناطق معينة لانتشارهم؟
تاريخيا يمكن تقسيم اليهود إلى 3 فئات، الذين تواجدوا في شمال أفريقيا واعتنقوا أول ديانة سماوية وأعني اليهودية، وهؤلاء انصهروا في المجتمع الجزائري، والفئة الثانية، أولئك الذين قدموا من الأندلس، وهؤلاء يتواجدون في بعض المدن الساحلية الغربية.
وللتوضيح، فإن اليهود تواجدوا في كل قرى الجزائر، لأن أول ديانة سماوية في شمال أفريقيا كانت هي اليهودية، وفي الوقت الحالي، يمكن القول إن اليهود في الجزائر هم أقلية محدودة جدا، لكنهم منتشرون في كل مكان.
هل ما زال الأثر الثقافي والاجتماعي للثقافة اليهودية قائما في المجتمع الجزائري؟
التأثير والتأثّر كان نتيجة للتعايش بين اليهود والمسلمين في رقعة واحدة، ولقرون في الجزائر، وبالتالي من الطبيعي أن يظهر التأثر بين المجتمعين، حيث العديد من التقاليد في الجزائر، برزت بطابعها المستمد من التقاليد اليهودية.
والكثير من الوصفات والأطباق مستمدة من عادات العائلات اليهودية، التي تعايشت مع المسلمين، لكن الكثير من الجزائريين يجهلون أن "الكارانتيكا" وهذا مثال بسيط فقط، وهو اسم شائع في الغرب الجزائري، طبق لليهود، الذي يعني الشيء الساخن، ومثلما تأثر مسلمون بعادات جيرانهم اليهود، حدث العكس أيضا.
شاهدنا الجزء الأول.. مالذي يحمله الجزء الثاني من إضافات؟
أولا لا يمكنني تقييم عملي، والمشاهد هو سيد الموقف، فقط أريد القول، إن تقييم الجزء الأول من الوثائقي، تم من زاوية غير مكتملة، وقد قلت قبل بث الجزء الأول على بلاطو "قناة الشروق"، إن الجزء الثاني هو المكمل للأوّل، وهو الذي نقوم فيه بفك شفرات ما بث في البداية، لذلك فإن بعض الأحكام تمت على أساس صورة غير مكتملة.
وفي الجزء الثاني سنتناول بعض الحقائق التي تُطرح لأول مرة، وبكل موضوعية، ولن ننحاز إلى أي طرف، ولا أدافع عن أي جهة، ومن يتقبل التاريخ مرحبا به في النقاش.
من جهة ثانية سيتم تقديم يهود جزائريين بنفس الطريقة السابقة، إذ لا يمكن أن نفصح عن أسمائهم ونخالف التزامانتا، ونعرّضهم بالتالي للخطر.
شاهدتم كيف كان رد الفعل على الوثائقي في مواقع التواصل الاجتماعي، كيف تتوقع أن يكون رد الفعل إزاء شخص يكشف هويته اليهودية في الجزائر؟
لقد أجبرتنا حساسية الموضوع على العمل بذكاء، ورغم ذلك فما قدمناه، هو أول فيلم وثائقي يتحدث عن يهود الجزائر، وبالمناسبة الموضوع ليس طابو، بل ملف فقط، لأن اليهود جزء من التاريخ في بلدنا، هذا التاريخ تم نسيانه، ونفضنا الغبار عنه، قبل أن نضعه في مربع النقاش، لذلك أقول للمعارضين تعالوا نناقش الموضوع بجدية، بعيدا عن العاطفة.
المصدر: أصوات مغاربية.