"تم قتل ذوينا من قبل الإرهابيين، ثم قتلنا ثانيا من قبل الدولة"، هكذا يصف المحامي عدنان بوشعيب واقع عائلات المختطفين من طرف الجماعات الإرهابية المسلحة، في تسعينيات القرن الماضي.
رئيس جمعية 'صمود' لعائلات المختطفين، يرفض ميثاق السلم والمصالحة (وهو الميثاق الذي قدمه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، محاولاً إنهاء حرب العشرية السوداء في الجزائر، من خلال منح عفو عن معظم أعمال العنف التي ارتكبت أثناءها).
وفي هذا الحوار مع "أصوات مغاربية"، يكشف بوشعيب عن بعض الصعوبات التي تواجهها عائلات المختطفين خلال هذه المرحلة، ويقدم بعض الحقائق والأرقام المتعلقة بهذا الملف.
نص الحوار:
في البداية، هل كان صعبا على عائلات المختطفين إيجاد إطار تنظيمي يجمعهم؟
تأسست الجمعية سنة 1997 في خضم تزايد عدد الأشخاص الذين تم اختطافهم من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة، كما تعرفون أنه بداية من سنة 1993 تزايدت الأعمال الإرهابية، بعدها انتقلت الجماعات من القتل الفردي إلى ارتكاب مجازر جماعية.
وفي نفس الوقت انتهجت هذه الجماعات أسلوبا جديدا، وهو اختطاف الأشخاص غالبيتهم كانوا نساء، وتم استعمالهم كعبيد جنس، وذلك في إطار عملية ترهيب للمجتمع، في هذا الظرف بالذات، أنشأت جمعية الصمود من قبل أشخاص كانوا ضحايا لعمليات الاختطاف.
أنا شخصيا اختطف والدي الذي كان نقيب المحامين في ناحية المدية، أثناء عودته إلى البيت في حاجز مزيف، بعد صدور فتوى من قبل الجماعات تجرم المحاماة، منذ سنة 1995 لا نعلم مصير والدي، أين قتل؟ كيف قتل؟ هل دفن؟، هذه حالتي الشخصية، ولك أن تقيس عليها حالات الآلاف من الأشخاص.
هل كان من بين المختطفين أطفال؟
هناك بعض الأطفال تعرضوا لعمليات الاختطاف من قبل هذه الجماعات، عددهم ليس كبيرا، لكن بحسب علمنا أن هؤلاء الأطفال اختطفوا مع والديهم، إما مع الأب أو الأم.
من المؤكد أن مصير هؤلاء الأبرياء كان الاغتيال فيما بعد، فيما تستعمل والدته سبيّة، هناك حالات لا تتصور من الوحشية التي عاشها المجتمع مع قبل هؤلاء المجرمين.
هل تمكنت جمعيتكم من حصر العدد الحقيقي لعدد المختطفين من قبل هذه الجماعات المتشددة؟
نحن لا نملك إحصائيات رسمية دقيقة، لأنه كما تعلمون واجهنا صعوبات كبيرة في العمل، لم نكن في مواجهة الجماعات الارهابية فقط، بل كنا كذلك في مواجهة الإدارة التي صعبت من مهامنا بشتى الوسائل، لم يتم اعتماد جمعيتنا إلى غاية اليوم، رغم أننا استوفينا كل الشروط القانونية اللازمة، كما ينص عليها قانون القديم لإنشاء الجمعيات، وتكيّفنا مع القوانين التي حملها القانون الجديد.
هذه الصعوبات التي واجهتنا جعلت من الصعب علينا أن ننتشر على المستوى الوطني، للحصول على الإحصائيات الدقيقة من كل العائلات المتضررة، لكن بالاعتماد على الصحف التي كانت تحصي عدد المختطفين، واستنادا إلى أعضاء الجمعية المنتشرين في جزء من ولايات الوطن، هناك ما يقارب 10 آلاف مختطف من قبل الجماعات الإرهابية.
أين وصل ملف المختطفين وهل هناك مشاكل واجهتكم لحلحلة الملف؟
في سنة 2005، تم وضع ميثاق السلم والمصالحة، للأسف هذا الميثاق لم نتمكن من مناقشته، تم فرضه دون إشراك أي جهة من الضحايا المباشرين لهذه المأساة.
هذا الميثاق تم وضعه قسرا وعرض على التصويت الشعبي بطريقة كان من الصعب أن يرفضها المصوتون، لأن السؤال الذي طرح، هل أنتم مع السلم أم لا؟
وبالتالي لا يمكن لأي شخص عاقل أن يصوت ضد السلم والآمان، جميعا كنا في تلك الفترة نبحث عن الاستقرار والأمن، ففي ظل هذا السؤال تم تمرير هذا القانون، بالتالي هذا الميثاق والمراسيم التي صدرت تطبيقا له، خصوصا فيما يتعلق بمسألة المختطفين أغلق الباب نهائيا، إذ استفاد الإرهابيون من وضع حد لمتابعتهم جزائيا.
يفهم من جوابك، أن موقفكم كان رافضا لميثاق السلم والمصالحة؟
كنا ضد وضع حد لمتابعة الإرهابيين، ولم نكن ضد فكرة الأمن والاستقرار، لكن كنا نقول في تلك الفترة إنه يمكننا الوصول إلى الأمن والاستقرار، لكن ما هو متعارف عليه أن العفو يكون عن الإنسان التائب، إلا أن أفراد الجماعات الإسلامية المسلحة سموا تائبون، بينما الأمر غير كذلك.
لم يسبق لي شخصيا أن سمعت أن إرهابيا تاب أو عبر عن ندمه على ما قام به أو روى ما فعله بندم، هؤلاء حين نزلوا من الجبال وضعوا السلاح واستفادوا من العفو، لكنهم ما زالوا متمسكين بصحة ما ارتكب، بدليل أننا نسمع من حين إلى آخر أن عددا كبيرا من هؤلاء ممن استفادوا من العفو، حملوا السلاح من جديد والتحقوا بالجبال مرة ثانية.
هل اقترحت جمعيتكم في تلك الفترة مشروعا بديلا لميثاق السلم والمصالحة؟
رد الفعل الذي نتج عن صدور ميثاق السلم والمصالحة، هو اقترابنا من الجمعيات الأخرى التي نتقاطع معها في الكثير من الأهداف والمطالب، وشكلنا تحالفا مع جمعية "جزائرنا لضحايا الإرهاب" و"أس أو أس مفقودين"، واكتشفنا أن هناك العديد من النقاط المشتركة بيننا وأهمها هي نقطة البحث عن الحقيقة.
أخذنا عدة تجارب ناجحة في دول مختلفة كان وضعها مشابها لأوضاعنا، وعلى ضوء ذلك قمنا بإعداد "ميثاق من أجل الحقيقة، السلم والعدالة" كبديل عن ميثاق السلم والمصالحة.
ما هي أبرز النقاط التي جاءت في مشروعكم البديل؟
انطلقنا من خصوصيات المجتمع الجزائري، لم نكن نريد اختيار نموذج أجنبي وإسقاطه على المجتمع الجزائري، وعليه قمنا بإشراك أخصائيين في كل المجالات الاجتماعية والقانونية والنفسية، من أبرز النقاط في مشروعنا هو استحداث لجنة للحقيقة تتشكل من خبراء، مهمتها البحث عن حقيقة الأشخاص المختطفين، حتى نتمكن كغيرنا من البشر من معرفة قبور ذوينا حتى نبكيهم.
وعلى سبيل المثال، فالذين قتلوا والدي مازالوا على قيد الحياة واستفادوا من العفو، فما الذي يمنع من أن تكون هناك لجنة تقترب من هؤلاء الإرهابيين، حتى يفيدوا بمعلومات بخصوص طريقة الاختفاء وطريقة الخطف، وأين دفن، أين قبره وأين رفاته، حتى نتمكن من دفنه بطريقة إنسانية لائقة.
بهذا يمكن أن نصل إلى السلم الحقيقي والشخصي في عائلتي، الشئ نفسه، ينسحب علي باقي عائلات المختطفين، مما سيضع حدا لمعاناة هؤلاء الضحايا، وتكون له فائدة على المجتمع بطي صفحة الماضي نهائيا بطريقة حقيقية وليست صورية.
ألم تستفد عائلات المختطفين من تعويضات، بناء على ميثاق السلم والمصالحة؟
لم تستفد العائلات من امتيازات عينية، بل استفادت من تعويضات مادية، مثلما تحصلت عليه كل عائلات ضحايا الإرهاب وفقا لقانون التعويضات، لكن ليس بنفس الطريقة، لأن عائلات المختطفين تمر عبر مسار طويل، من خلال حكم قضائي يثبت الفقدان ثم بعد مرور 4 سنوات يحصلون على شهادة الوفاة، ومنها يمكنهم الاستفادة من التعويض.
في الحقيقة التعويضات لا تغني شيئا، ليست مبالغ مالية ضخمة كما تتصورون، هي مبالغ لا تفوق غالبا 5 آلاف دولار في أحسن الظروف، وهناك عائلات فضلت أقساطا شهرية، نعتبرها زهيدة جدا، لكن أغلب العائلات لا تحتاج إلى هذا النوع من التعويضات المادية، بل تحتاج إلى الدعم والتعويض المعنوي.
بعد مرور هذه السنوات، ألم يلعب عامل الزمن والنسيان دورا في تضميد جراح عائلات المختطفين؟
الجروح لم تندمل بعد ومازالت طرية، وبنفس الدرجة التي كانت عليها في اليوم الأول، لكي تندمل الجراح، ينبغي أن يكون لدينا قبر نبكي فيه أهلنا، الدولة لم تقم بأي مبادرة لفائدة ضحايا الإرهاب، بل على العكس سارعت إلى وضع ميثاق السلم والمصالحة، ثم قررت طي الصفحة نهائيا، حاليا لا أحد يتكلم عن ضحايا الإرهاب.
في الدول الأوروبية مثلا، عندما تقع حادثة إرهابية، الكل يلتف حول الضحايا، من رئيس الجمهورية، مرورا بالطبقة السياسية إلى المجتمع المدني، لكننا بعيدون كل البعد عن هذا المستوى، تم قتل ذوينا من قبل الإرهابيين ثم قتلنا ثانيا من قبل الدولة.
المصدر: أصوات مغاربية.