لا حديث في مدينة بوفاريك القريبة من موقع حادثة سقوط الطائرة العسكرية الجزائرية، التي كانت تقل جنودا وعائلاتهم باتجاه تندوف، إلا عن ضحايا الحادث المأساوي الذي أودى بحياة أكثر من 250 شخصا.
ففي حي "لاكناب" سارع سكان بوفاريك إلى بيت عائلة "فليتة"، والتي فقدت ابنها محرز، لتقديم التعازي والمواساة للمكلومين في مصابهم.
ويبدو أن خبر الوفاة نزل كالصاعقة على سكان الحي، ممن كانوا قد التقوا به ليلة قبل الحادث، وهو يتجول بالمدينة استعدادا للسفر.
قلب الأم
حاول والد محمد مغالبة دموعه وهو يتحدث لـ"أصوات مغاربية"، لكنه أجهش بالبكاء لفقدانه فلذة كبده.
ليس من عادته البقاء في البيت بعد العشاء، يقول والد محمد قبل أن يستطرد بحزن "عادة يخرج للسهر مع أصدقائه، لكن هذه الليلة قرر المكوث في البيت إلى جانب والدته، التي أعدت له عشاء خاصا، حتى لا يشتاق إلى طبخها".
لم تكن تفصل محرز سوى 33 يوما لإتمام الخدمة الوطنية، التي كان يؤديها في إحدى الثكنات العسكرية بولاية تندوف.
في الصباح، يقول الوالد، قبل شيوع الخبر في وسائل الإعلام، "أيقظتني زوجتي لتبلغني بأن محرز قد يكون توفي، بعد سماعها دوي ارتطام الطائرة".
ومما عزز شكوك والدة محرز أن هذا الأخير اتصل بوالدته ليودعها، دقائق قبل ركوبه في الطائرة، "كما لو أحس بأنه مسافر دون رجعة".
بعد تعميم خبر الحادث، توجه الوالد المكلوم على جناح السرعة إلى مطار بوفاريك العسكري، للاستفسار عن مصير ابنه والتأكد من صحة الأخبار المتداولة، وما هي إلا دقائق حتى أكد أحد أصدقاء محرز خبر الوفاة.
الأخ المكلوم
في مدخل العمارة التي تقطن بها عائلة فليتة، كان نسيم، الشقيق الأكبر للراحل محرز، يقف وعلامات الحزن بادية عليه، فقد احمرت عيناه من شدة البكاء.
"الحرقة ما زالت في القلب"، هكذا بدأ نسيم حديثه لـ"أصوات مغاربية"، مؤكدا أن العائلة "تنتظر استلام جثمان محرز".
لم يعلم نسيم بالخبر المفجع إلا من والدته، التي طلبت منه التوجه إلى العاصمة بغرض الاستفسار عن مصير شقيقه من وزارة الدفاع.
بعد سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع زملاء له في المطار العسكري، تمكن نسيم من قطع الشك باليقين، وتأكد "شقيقي مات".
وحسب نسيم، فإن محرز (27 سنة) كان "ينتظر بفارغ الصبر إنهاء الخدمة الوطنية لأنها كانت تشكل عقبة في طريق توظيفه".
الوداع
شكل المعزون حلقات أمام العمارة، يتبادلون أخبار الضحايا وكيفية سقوط الطائرة بناء على ما تنشره وسائل الإعلام المحلية من أخبار.
زكرياء هو الصديق المفضل لمحرز، لم تنقطع علاقتهما منذ الصبى، وتعززت مع مرور السنين.
يقول زكرياء، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن محرز "حاصل على دبلوم إدارة من الجامعة المركزية بالعاصمة، وأراد أداء واجب الخدمة بعد إتمام دراسته".
اليوم الذي سبق الحادث قضاه زكرياء رفقة صديقه، "زرنا الحلاق وودع إحدى عماته، وأتذكر أنه ظل يمازح صديقنا الآخر المدعو وليد عرباوي، الذي توفي معه بنفس الطائرة.. وهذه كانت آخر ذكرياتي مع صديق عمري".
المصدر: أصوات مغاربية