عادت "الفتاوى" المثيرة للجدل إلى واجهة المشهد الجزائري من جديد، لكن هذه المرة ليس في مجال التكفير والتحريض على العنف، ولكن في المجال الاجتماعي، ما استدعى تدخّل الجهات الرسمية.
"فتوى ضد المقاطعة"
صاحب الفتوى هو شيخ سلفي يُدعى لزهر سنيقرة، عارض "الحراك الشعبي" ضد غلاء السيارات، الذي انطلق مع حملة "خليها تصدّي"، ونصح الجزائريين بـ"الدعاء" حتى تنخفض أسعار السيارات.
وقال سنيقرة إن حملة "خليها تصدّي، لا أساس شرعيّ لها"، واستدعى الأمر تدخّل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أبو عبد الله غلام الله، الذي هاجم سنيقرة، ووصفه بـ"التاجر الذي لا يستحق منبر الإمامة".
وجاء في نصّ فتوى الشيخ السلفي "في الغالب أصحابها (أصحاب فكرة المقاطعة) لا ينطلقون من المنطلق الشرعي، لأن المنطلق الشرعي في مثل هذه الأمور يعني مقاطعة السلع لأجل غلاء أثمانها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اشتكى له الصحابة غلاء الأسعار فما أمرهم بمقاطعة السلع حتى ينخفض سعرها، إنما أمرهم بالدعاء، كما جاء في الحديث".
وكتب صاحب الفتوى في موقع "التصفية والتربية السلفية"، الذي يشرف عليه، "ومن أعظم أسباب غلاء الأسعار، ذنوب العباد والمعاصي والبعد عن الله -تبارك وتعالى- وهذا من العقوبات الدنيوية، التي يبتلي الله عز وجل بها عباده".
السلطات ترد: أنت تاجر!
تدخَّل وزير الشؤون الدينية عقب فتوى سنيقرة، قائلا "التيار المدخلي في الجزائر رُصد من طرف أجهزة الدولة جميعها على أنه ليس اختيارا فكريا بل هو تنظيم متشدد، وهذا التنظيم أعطى لنفسه الحق في اختيار قادة بالجزائر!"، في إشارة إلى التيار السلفي الذي ينتمي إليه صاحب الفتوى.
وأضاف الوزير، متحدّثا لوسائل إعلام محلية، "هذا الشخص (يقصد سنيقرة) كان إماما ولم يعد كذلك فلقد شطبناه من الإمامة، لأن مساجدنا لا يرتادها أشخاص لا يؤمنون بمرجعيتنا الوسطية ويأتمرون بأوامر الخارج.. هذا الشخص ليس كفئا، ولو كان كُفئا لاحتفظنا به إماما في مساجدنا".
من جهته، قال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أبو عبد الله غلام الله، إن "لزهر سنيقرة صاحب فتوى تحريم حملة مقاطعة شراء السيارات، تاجر وليس إماما".
وفي ندوة صحافية عقدها بمقر المجلس، عشية انعقاد المؤتمر الدولي الذي تحتضنه الجزائر حول "تدريس التربية الإسلامية في المؤسسات الرسمية"، اتهم غلام الله الإمام السابق سنيقرة، بـ"الاعتداء على منبر المسجد".
"فوضى لابد من كبحها"
"أصوات مغاربية" سألت المستشار السابق لوزير الشؤون الدينية، عدة فلاحي، بخصوص موضوع استمرار "فوضى الفتاوى"، فقال إنه من "الغريب أن تصدر هذه الفتوى بعد أيام قليلة من فتوى للسلفي الشيخ فركوس، أخرج فيها كل الفرق الإسلامية بالجزائر من السّنّة واستثنى التيار السلفي، وأحدثت فتواه تلك زلزالا في البلاد".
ودعا فلاّحي إلى ما سمّاه "وضع حدّ للتسيّب، الذي يعرفه منذ سنوات، مجال الفتوى الحساس"، واقترح ضبط قائمة أشخاص لهم صلاحية الفتوى دون غيرهم، في إجراء أولي، مثلما قال، إلى حين تشكيل هيئة مكلفة بهذا الأمر.
من جهته، قال الأمين العام لنقابة الأئمة في الجزائر، الشيخ جلول حجيمي، إن "الفتوى مرتبطة بمواضيع الحياة اليومية للناس، فضلا عن العبادات والدّين عموما، لذلك فإن أمرها خطير ولا يجب أن تترك لأيّ كان ليدلي فيها برأي قد لا يعلم عواقبه".
وأوضح جلول، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أنه لا يجب استغلال "الكرسي الديني لضرب طرف على حساب طرف، بل يجب أن تكون الفتوى متوازنة لا تضر بطرف على حساب طرف آخر".
وختم حجيمي: "نادينا قبل سنوات بإقامة دار للإفتاء يترأسها مفتي الجمهورية، حتى نضع حدّا لكل هذا العبث، لأن تجاوزات خطيرة حدثت باسم الفتوى".
المصدر: أصوات مغاربية